تسعى روسيا إلى تأكيد موقعها ودورها العالمي، ولكنها تفعل ذلك من دون أن تمتلك القدرة على قيادة عالمية في حرب باردة جديدة. فروسيا رأسمالية حتى النخاع، وغربية الهوى، وهي أيضاً لا تبشر بأيديولوجية مختلفة عن الأيديولوجية السائدة في العالم الرأسمالي. ولكن فوق كل شيء، تبشر روسيا بأن تكون روسية قبل أي شيء آخر، وأن تدافع عن مصالحها الذاتية والإقليمية، وأن تلعب دوراً يتجاوز حدودها المباشرة. هذا جزء من صورة العالم الأوسع الذي نجد أنفسنا فيه. إن اجتياح جورجيا كان أول تأكيد على الدور الروسي خارج الحدود الروسية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة، ولكنه كان رداً على تحديات فرضتها جورجيا ساهمت في إثارة الغضب الروسي. هكذا انتهت هذه الجولة بانتصار روسي ورسالة روسية لدول عدة عن استعدادها لاستخدام القوة للدفاع عما تواجه من تحديات لمصالحها الأمنية في دول الجوار. ولكن الاتفاق الأميركي مع بولندا على منظومة الصواريخ الدفاعية هو الآخر أثار روسيا، التي ستحاول مضايقة الولايات المتحدة في مسائل أخرى قد تكون في إيران. لهذا على روسيا أن تقرر: فهل تدعم إيران وتقوي دفاعاتها ما سيدفع الولايات المتحدة، وربما إسرائيل لتقوية أطراف مناوئة لروسيا؟ هذه تحديات تواجهها روسيا في المدى المنظور. وفي الوقت نفسه على الولايات المتحدة أن تقرر: هل تريد أن تنتشر على الحدود الروسية وتشعر روسيا بالتهديد أو أنها تريد التعاون الروسي معها في العراق وافغانستان وآسيا والاقتصاد العالمي؟
من هنا تأتي زيارة الرئيس السوري الذي سعى إلى استثمار هامش التناقض الروسي – الأميركي لصالح تقوية الموقف السوري. فالهدف السوري الآن هو في زيادة الضغط السوري عبر الوسيط التركي على إسرائيل. لقد نجحت إسرائيل في اختراق الأجواء السورية وضرب مواقع سورية عام 2007. هكذا نجد أن إمكانية استعادة بعض التوازن السوري – الإسرائيلي من خلال الاعتماد على روسيا قد يكون ممكناً، فعلى الأقل هذا هو الهدف السوري في هذه المرحلة في العلاقة مع روسيا. ولكن روسيا هي الأخرى لا تريد التورط في صراعات كثيرة خارج حدودها، ولكن ذلك سيتوقف على طبيعة المساومات الممكنة بين روسيا وأميركا على الأمور الخاصة بانتشار «الناتو» ومنظومات الصواريخ الأميركية على الحدود الروسية.
إن روسيا لن تعود إلى الحرب الباردة، وهناك مصالح مشتركة بينها وبين الولايات المتحدة، ولكن روسيا لن تكون من الآن وصاعداً بلداً لا يلتفت إلى مصالحه وحقوقه ودوره الاقليمي. روسيا ليست دولة كبرى عالمية تجوب البحار، كما هي الحال مع الولايات المتحدة، ولكنها دولة إقليمية كبرى تمثل وزناً مهماً في أوروبا وآسيا تسعى إلى استثماره. هكذا سنجد أن روسيا تتشارك مع الولايات المتحدة في التخوف من بعض تعبيرات الغضب الإسلامي أكان ذلك في آسيا الوسطى أو في مواقع أخرى، وتتشارك مع الغرب في مجالات التبادل الاقتصادي. ولكن روسيا اكتسبت الكثير من القوة الاقتصادية بسبب أسعار النفط العالمية المواتية ولديها في الخزينة ما يساعدها على تمويل مقدرتها على مواجهة بعض التحديات التي تواجهها الآن.
لقد تغيّر الوضع الروسي، لم تعد روسيا ذلك البلد المنهار، كما كان الوضع في زمن غورباتشوف ويلتسين، ولكنها مع بوتين بلد يميل إلى المركزية، إلى عرض القوة، وإلى إعادة مشروع وحدته الداخلية وتأثيره في الدول المحيطة به. روسيا الجديدة لاعب رئيسي من اللاعبين الجدد في الإطار الدولي. إن الرسائل الساخنة والتصريحات السلبية بين روسيا والولايات المتحدة قد تبقى قائمة طوال هذا العام إلى أن تتضح توجهات الإدارة الأميركية المقبلة.