في جميع الديموقراطيات تعكس الحكومات صورة ورغبات شعبها، في بلدنا الحبيب هناك وضع غريب، فالحكومة رأسمالية بالمطلق حيث تؤمن بالانفتاح والاستثمار واعطاء القطاع الخاص دوره في عملية التنمية، وهو أمر يتطابق مع نصوص الدستور التي ترى ان رأس المال والعمل هما مقومان أساسيان لكيان الدولة.
هذا الفهم وتلك السياسة تتطابق كليا مع مفهوم «الحكومة الصغيرة» السائد في العالم أجمع حيث تخلت الحكومات عن ملكياتها العامة بطريقة متدرجة وصحيحة (وليس كحال مخطط تدمير «الكويتية») واستبدلت دور المالك بدور المدير والمنظم لتلك الملكيات الخاصة، ولم تمانع الشعوب بالمقابل من التحول من العمل لدى المؤسسات العامة الى العمل لدى الشركات الخاصة دون ان يرى أحد ان في ذلك تحولا الى «صبيان» لدى من سيدير تلك الشركات كما أُطلق على نهج الخصخصة لدينا.
وبالطبع هناك فروقات بين الدول فالقطاعان العام والخاص في أميركا أو تونس يعمل بهما مواطنو هذين البلدين لذا لا فرق كبيرا بين الملكيات العامة والخاصة وهذه قضية مهمة جدا يجب النظر لها بشكل جاد عند الحديث عن الخصخصة في الكويت حيث يعمل 98% من الكويتيين لدى الحكومة و2% فقط لدى القطاع الخاص مما يخلق خشية مبررة لدى المواطنين ونوابهم في البرلمان من طردهم لدى التحول لنهج الخصخصة واستبدالهم بالعمالة الآسيوية الرخيصة، وما في ذلك من تعارض صريح مع المادة 16 من الدستور التي نصت على ان لرأس المال «وظيفة اجتماعية» في الكويت.
ان ذلك التخوف المشروع لدى المواطنين من الخصخصة والتحول لنهج القطاع الخاص يجب ألا يتحول الى عداء له والإيمان أكثر وأكثر بالنهج الماركسي الداعي لتملك الدولة كافة وسائل الإنتاج كي تقوم بتوزيع عادل لثروة البلدان، فذلك المبدأ الجميل بمظهره قد جُرّب سابقا في الاتحاد السوفييتي ودول الكتلة الشرقية وبعض بلداننا العربية فأدى الى دمار شامل في اقتصادياتها وتحولها الى الفقر والمجاعات ويكفي هذه الأيام مقارنة أحوال كوريا الجنوبية بكوريا الشمالية.
ولا يمانع عادة الأميركان ونحن في أشهر انتخاباتهم من انتخاب الأغنياء والأثرياء للمناصب العامة من رئيس جمهورية وحكام ولايات وأعضاء في مجالس الشيوخ والنواب، حيث ترى أغلبيتهم ان ذلك أمر محبذ كون الثراء قد يدل على الذكاء والانجاز فما الخطأ في استخدام مواهب المرشح الخاصة التي أفاد بها نفسه لإفادة وطنه، كما يرون ان الثري أو ميسور الحال بالوراثة يعني انه صُرف عليه وحاز تعليما خاصا مميزا فلماذا كذلك لا يستفاد من خريجي مثل ذلك التعليم كإضافة للبلاد.
وأمر آخر يحبذونه في المرشحين الأثرياء، وهو ان ذلك الترشيح يجعل كبار الأثرياء يتنافسون على كسب ود مشاعر الناخب العادي مما يساعدهم على فهم متطلبات الشعب عامة، أما ما يرفضونه فهو من يشعرهم بأنه من «النخبة» أو من طينة مختلفة ومن ذلك فقد اسقطوا في الانتخابات الماضية المرشح الرئاسي جون كيري كونه قال ذات مرة انه يجيد الفرنسية بطلاقة، وانه يمارس رياضة التزحلق على الجليد التي لا يمارسها العامة، كما يحاول هذه الأيام المرشح ماكين دمغ منافسه أوباما بأنه من النخبة التي تدرس في هارفرد وانه أشبه بالثريتين المرفهتين پاريس هيلتون وبريتني سپيرز.