سريعة المفاجآت في منطقة الشرق الأوسط. فقد استقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، وفتحت الاستقالة الباب لمعرفة اتجاهات الرأي الجديدة في إسرائيل، فهل سنرى مزيداً من الصراعات الداخلية الإسرائيلية أم استعداداً للتسوية في حال انتخاب حزب «كاديما» لوزيرة الخارجية الإسرائيلية ليفني كرئيسة له؟ فليفني تمثل جانباً من السياسيين في إسرائيل ممن لديهم القدرة للتحول نحو السلام، أما من جهة أخرى، فيمثل وزير المواصلات شاوول موفاز جانباً من السياسيين الإسرائيليين ذوي الخلفية العسكرية والقتالية ممن سيسعون إلى استخدام مزيد من القوة في حال أصبح هو رئيس حزب «كاديما». أما في حال حصول انتخابات عامة على منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي، كما يدعو نتنياهو، فمن المتوقع والممكن أن يفوز «الليكود» بقيادة بيبي نتنياهو، مما سيدفع بالأوضاع إلى المواجهة، خصوصاً مع إيران، إضافة إلى أن المسار السوري – الإسرائيلي (وآفاق التهدئة مع الفلسطينيين) سوف تتعرض إلى انتكاسة.
بين سحب القتال وبين آفاق التهدئة ستتأرجح الاحتمالات نسبة إلى من سيخلف رئيس حزب «كاديما» المستقيل إيهود أولمرت. لهذا ستبقى النظرية الحساسة والقائلة بإمكانية الحرب في شأن الموقف مع إيران قائمة، فقيام إسرائيل بعملية عسكرية تنضم إليها القوات الأميركية، بناء على ردة الفعل الإيرانية على الضربة الإسرائيلية سيتعزز في حال قدوم موفاز أو في حال انتخاب نتنياهو. هذه فرضية ممكنة رغم المخاطر كلها التي تمثلها في حال وقوعها.
ولكن من جهة أخرى، فإن أحد أفضل التطورات الإيجابية في الأيام الأخيرة قرار المحكمة التركية ترك العدالة والتنمية (الإسلامي) الحاكم في تركيا في موقعه في رئاسة الحكومة والدولة وعدم إعلانه حزباً غير شرعي. فهذا الحزب جاء بالانتخاب ولديه شرعية صناديق الاقتراع التركية. إن قرار المحكمة العليا في تركيا كان حكيماً، إذ تفادى أزمة تركية داخلية كبيرة ستؤثر لو وقعت على وضع تركيا ودورها الإقليمي وعلاقتها بأوروبا. إن القرار التركي يسمح لأحد أكبر الأحزاب ذات الخلفية الإسلامية بلعب دوره في قيادة دولة مدنية في ظل تعددية سياسية وتعددية اجتماعية وحريات فردية.
من جهة أخرى، مر على العراق أسبوع دامٍ من جراء سلسلة التفجيرات الانتحارية التي استهدفت بعض أكثر الأمور قدسية لدى الشيعة، وهذا يوضح مدى سعي الأطراف التي مارست التفجير لإغراق العراق مرة ثانية في طريق الحرب الأهلية. إن التفاهم الشيعي – السني هو الوحيد الذي يمنع تفجر هذه الحرب، أما في حال تفجرها ستعود «القاعدة» إلى العراق، كما كانت منذ أشهر. ولكن من الواضح أن العراق قد خطا خطوات إيجابية في التهدئة، و«القاعدة» أضعف بعشرات المرات في الآونة الأخيرة مما كان عليه حالها في بداية عام 2008.
ولو بقينا مع العراق، فلقد مرت هذا الأسبوع ذكرى قيام نظام صدام باحتلال وغزو الكويت عام 1990. ولكن أحوالاً كثيرة قد تغيرت بين الكويت والعراق، ولكن نتساءل عن الآثار التي مازالت قائمة لتلك التجربة، إذ نجدها في ديون العراق تجاه الكويت، إضافة إلى قضايا أخرى عدة. ومع ذلك، فقد شكّل إعلان الكويت فتح سفارتها وتعيينها سفيراً لها في العراق خطوة على قدر كبير من الأهمية، لأن هذا يعكس ضرورات التواصل المباشر واليومي والتمثيل السياسي على جميع الأصعدة.
في الشرق الأوسط: انفجار في تركيا وقرار محكمة حكيم، انفجار في العراق وتهدئة في الوقت نفسه، وفي لبنان قتال في طرابلس ثم اتفاق على إيقاف القتال، فصوت الرصاص وتعبيرات السياسة من لبنان إلى فلسطين ومن العراق إلى السودان وإيران تعكس حال تصادم مستمرة، كما وتتعايش مع محاولات البحث عن تسويات. إننا أمام طرق متعددة في مرحلة كثيرة التشعب.