في الأيام القليلة الماضية زاد الوضع الإيراني – الأميركي انحناء لصالح التسوية، كما ويمثل الحضور الأميركي للمناقشات على النووي الإيراني تطوراً على قدر من الأهمية. ومع الإشارات الإيجابية كلها سيبقى التحدي الكبير في كيفية الوصول إلى حل مقبول لإيران وللولايات المتحدة بحيث يبعد عن المنطقة شبح الحل العسكري. بل يمكن التأكيد بأن حال السباق بين الحل الأمني العسكري الذي قد تقوم به الولايات المتحدة والحل السياسي بات الآن أكثر ترجيحاً لصالح السياسي بعد أن تم بناء حال تحييد أيضاً للوضع في لبنان مع «حزب الله» وللوضع في فلسطين مع «حماس» وللوضع مع سورية، كما والوضع في العراق. هكذا أصبحت بعض أهم الملفات الساخنة محيدة مرحلياً، مما يفقد إيران نسبياً لبعض أدوات التفاوض.
تعيش إيران من جهة أخرى مأزقاً داخلياً بين تيار سيطر على المواقع كافة( الحرس الثوري) وبين تيارات وسطية خرجت من السلطة بقيادة رفسنجاني وخاتمي وآخرين. ورغم الأوضاع النفطية الممتازة إلا أن إيران تمر بأزمة خانقة على الصعيد الاقتصادي، وهي تعيش سلسلة من التناقضات الداخلية على أمور كثيرة: الحريات، طريقة تطبيق الشريعة، أوضاع الجيل الشاب، تمرد الجيل الشاب، موقف قطاعات كبيرة من المجتمع من الحرية الشخصية، خصوصاً حرية المرأة في ارتداء الزي التي تجده مناسباً أسوة بمجتمعات العالم الأخرى، الانفتاح مع الخارج، التحكم في الانتخابات من خلال لجان تقرر من الذي يستحق الترشح، مما يحد من وصول مرشحين وسطيين وإصلاحيين، تطبيق حالات إعدام في شبان قصر دون الثامنة عشرة عاماً، تطبيق حالات الرجم في قضايا الزنا، وعشرات المسائل التي تساهم في أزمة إيران الراهنة، وفوق هذا كله هناك صلاحيات المرشد الأعلى الشاملة، والتي تنتقص من صلاحيات رئيس الجمهورية. إن إيران في هذه المرحلة بحاجة إلى إصلاح عميق وكبير. وسيبقى السؤال الإيراني: من الذي سيسبق الآخر في إيران حالة الإصلاح أم استمرار الوضع الراهن وسط تردي أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والمعنوية؟
إن الأخطر في آفاق العمل العسكري مع إيران هو أنه سوف يصب لمصلحة تيار التشدد في إيران وفي الإقليم. حينها سوف تتحد إيران لمواجهة الولايات المتحدة، وبالتالي ستتأخر آفاق الإصلاح في الإطار السلمي. هذا ما تؤكده مدرسة كبيرة في إيران ترى أن الحل العسكري قد يعيد إيران إلى الوراء في قضايا التغيير والإصلاح، وهناك في المقابل مدرسة أخرى تعتقد أن الحل العسكري بإمكانه أن يضعف قبضة سيطرة الحرس الثوري على الحكم.
ولكن في التاريخ الحديث للشرق الأوسط لم نر عملاً عسكرياً ساهم بحل مشكلة جوهرية، فكل عمل عسكري أدى إلى أعمال عسكرية أكثر صعوبة، باستثناء حرب تحرير الكويت التي كانت الحرب الوحيدة المبررة في إقليمنا. إن كل حرب قد تؤدي لمآسٍ كثيرة وانتقام يليه انتقام. ورغم تردي الأوضاع في إيران إلا أن الحل مع إيران هو في اقناعها بالتراجع عن المسألة النووية مقابل التفاهم معها على ما لها وما عليها.
إن التغيير في إيران آتٍ، وهو يزداد عمقاً بين الشباب وبين قطاعات كبيرة من المجتمع، ولكن هذا التغيير بإمكانه أن يقع في إطار الإصلاح والتغيير في ظل المساعدة الدولية وليس من خلال الحرب والعمل العسكري وسياسة تغيير النظم بالقوة. بل يمكن القول بأنه من الأفضل التركيز على ما قد يتحقق من تفاهمات وتراجعات بين كل الأطراف لمصلحة تفادي العمل القتالي في منطقة الخليج.