سامي النصف

الانهيار الكبير

في الولايات المتحدة أغنى دول العالم وذات الـ 300 مليون نسمة أزمة عقارية خانقة باتت تهدد أكبر اقتصاد في التاريخ بالركود بسبب المضاربات التي تمت على العقار في الفترة الماضية، وفي أوروبا تعاني اسبانيا ذات الـ 40 مليون نسمة والتي يزورها نفس العدد من السائحين أزمة مماثلة على معطى مبالغتهم في بناء العقار مما خلق فائضا تسبب في انخفاض حاد في الأسعار.

شهد عالمنا العربي خلال السنوات الخمس الماضية ارتفاعا كبيرا في أسعار النفط وشهد معه تحويل عوائد البترودولار الى أعمال إعمار وبناء غير مسبوقة امتدت من ساحل المحيط الأطلسي غربا إلى الخليج العربي شرقا حيث خلقت في بعض دول المنطقة العربية أكبر الشركات العقارية في العالم وانفردت بعض دولنا بعمل ثلث رافعات العالم فيها.

وضمن تلك العملية أصبحت بعض دولنا قليلة السكان تحوي «أكبر» الأسواق و«أطول» العمارات و«أضخم» المدن الترفيهية.. الخ في وقت يفترض فيه أن تكون تلك المنشآت قائمة في البلدان شديدة الثراء كأوروبا وأميركا واليابان أو وافرة السكان كالهند والصين واندونيسيا.

ويمتد ذلك التمدد العمراني لدول عربية محدودة الدخل مما يعني ان أي هزة عقارية بها ستعرض بنوكها للخطر الشديد، والغريب أن أحدا لا يتحدث عن الزبائن المنتظرين لذلك العمران الباهر، فبعض دولنا لا يؤهلها عدد سكانها القليل لملئه، كما ان الفقر السائد في دول أخرى يمنع الشريحة الكبرى من الشراء والاستمتاع بملاعب الغولف وغيرها من وسائل الترفيه في غياب واضح لعمليات نزوح أثرياء العالم لمنطقتنا بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة فيها.

وقد نشكر في يوم ما بيروقراطيتنا العتيدة وأزمات مجلس الأمة المتكررة كونها حدت دون قصد من قيام الكويت بمثل تلك المشاريع الضخمة عالية المخاطر فأصبحت منشآتنا بالتبعية وأسواقنا وأماكننا الترفيهية متناسبة تماما مع حاجتنا المحلية دون بهرجة أو مبالغة أو انتظار ملايين الأثرياء الأجانب ممن قد لا يحضرون.

ان الاستخدام الأمثل لعوائد نفطنا هو في جعلها تجلب الموارد المالية لنا مستقبلا كحال وضعها في استثمارات عالمية ثابتة مدرة للعوائد بدلا من الخسارة الثلاثية المضاعفة لها عبر وضعها في مشاريع ندفع المليارات على انشائها ثم ندفع المليارات اللاحقة لصيانتها وتشغيلها ولربما مليارات ثالثة لانهيارها.

آخر محطة:
الموارد الخليجية والعربية هي انعكاس لفرصة تاريخية نادرة ونرجو ان نرى عملا جماعيا على مستوى الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي لعمل دراسة واقعية ووافية لمستقبل التمدد الانشائي القائم، فجميعنا في قارب واحد وما سيضر بمشاريع رقعة جغرافية معينة سيمتد بالضرورة للأماكن الأخرى.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *