تتعمق حال الخوف وحال الضغط في منطقتنا. فصواريخ إيران الجديدة موجهة إلى إسرائيل والمواقع الأميركية في منطقة الخليج في البحر وعلى الأرض وفي العراق وفي دول الخليج. يقابل ذلك القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة وحاملات الطائرات الأميركية والوجود العسكري المكثف للجيش الأميركي المنتشر في العراق ومنطقة الخليج ودول آسيا الوسطى. لقد اصبحت الولايات المتحدة واحده من دول المنطقة بفضل انتشارها العسكري وتواجدها المكثف. في الوقت نفسه تمثل منطقتنا التي تتصاعد وسطها الآن لهب التصريحات المتبادلة والاستعدادات للحرب واحدة من أكثر مناطق العالم في القيمة الاستراتيجية بسبب النفط. النفط ووجوده في باطن الأرض في منطقة الخليج: إيران والعراق ودول مجلس التعاون بنسبة تتجاوز 60 في المئة من احتياط العالم (وقد تبين أخيراً أن العراق على سبيل المثال لديه احتياطي كبير لا يقل عن ذلك الذي تمتلكه إيران التي تعتبر الثانية في الاحتياط النفطي العراقي في العالم بعد المملكة العربية السعودية).
إن النفط يمثل أحد أهم العوامل المؤدية إلى التوتر في منطقتنا، فدول «الأوبيك» تنتج يومياً 32 مليون برميل من النفط، يخرج أكثر من 22 برميلاً منها من منطقة الخليج وإيران والعراق. إن اعتماد العالم على هذا النفط يمثل هو الآخر أهمية كبرى لا تستطيع أي دولة كبرى أن تتجاهلها. هكذا يزداد التوتر، بينما تتعمق إيران في وضع الحرس الثوري في المواقع كافة التي تسمح له بقيادة المواجهة مع الولايات المتحدة. هذه المواجهة بين البلدين كانت قد اقتربت أكثر من مرة في الماضي من لحظة صعبة، وهي تقترب اليوم وفي الاشهر المقبلة من اللحظة ذاتها.
إن الحرب إذا وقعت فستمثل ثمناً كبيراً لإيران ولدول المنطقة، وذلك نتاج الخسائر السلبية الناتجة عنها، كما أن الحرب قد تفقد الولايات المتحدة الكثير بسبب امتداد رقعة عملياتها وانتشار جيشها في أكثر من حرب الآن في العراق وأفغانستان، كما أن الحرب قد تثير مشكلات كثيرة للولايات المتحدة بسبب ردود فعل الرأي العام العالمي. ومع ذلك فإن الملف النووي الإيراني إذا لم يستوعب ويتم إيجاد حل سياسي له سيشعل مواجهة، وهذا هو بالتحديد الأمر الذي يثير الفرقاء كلهم. إن فرص المواجهة تتساوى الآن مع فرص الحل الديبلوماسي، ولهذا بالتحديد على دول المنطقة أن تأخذ هذا الوضع بصورة جدية وتتهيأ لجميع الاحتمالات المتوقعة. إن التصرف وكأن شيئاً لن يقع سيكون خطراً على أمن المنطقة.
وعلى الصعيد العسكري لن تغير الصواريخ الإيرانية التجريبية التي أطلقتها إيران منذ أيام الميزان الاستراتيجي المتربط بالحرب. فلو وقعت الواقعة لن تكون الصواريخ الإيرانية عنصر الحسم، بل سيكون الأمر أكثر ارتباطاً بتداعيات الحرب العالمية والإقليمية وكيفية قيام إيران بإدارة تحركات أنصارها المنتشرين في العالم الإسلامي والعربي من باكستان إلى لبنان ومن العراق إلى منطقة الخليج. إن قوة إيران هي أساساً بامتداداتها، وليس بصواريخها التي يمكن إبطال مفعولها والتقليل من آثارها. ولكن البعد الاستراتيجي الآخر في الحرب إن وقعت: هل تنجح الولايات المتحدة في تدمير القدرات النووية الإيرانية وهل تودي المواجهة إلى خلخلة قواعد النظام الإيراني أم إلى تقويته وزيادة نفوذ اليمين ورفع شعبية أحمدي نجاد والحرس الثوري؟ هذه أسئلة أساسية نجدها واقفة أمام القرار الاستراتيجي الأميركي، كما أن هذه العوامل تؤثر في قرار الحرب أو عدم القيام بها وتفرض على القرار العسكري حدوداً.
السؤال الأهم: كيف يمكن تفادي المواجهة، وذلك لما للمواجهة والحرب من آثار سلبية على البلاد العربية والإسلامية كلها وفوق هذا كله على إيران؟ فالحرب إن وقعت، فإن هذا أمر سهل الوقوع في البداية وصعب الإيقاف بعد إطلاق الرصاصة الأولى، كما أن الحرب ستؤدي إلى اشتعال التطرف، وليس العكس. والحرب بإمكانها أن تبدأ بسبب انتشار الخوف المتبادل بين الأطراف، ولكن إن وقعت ستكون مخاسرها السياسية والمعنوية كبيرة على الفرقاء كلهم.
ويزداد الوضع خطورة إذا ما استوعبنا أن التهديدات الحالية تفرض نفسها في التعبئة في إيران، وتُستخدم إعلامياً للنيل من إيران في الوقت نفسه. فالحرب مع الولايات المتحدة، أو العقوبات، أو المواجهات، ستبقى خطراً كبيراً على إيران. التصريحات الأخيرة لن تغيّر الميزان، كما أن التجارب الأخيرة لن تغيّر الميزان. إن الأمر الوحيد القادر على تفادي هذه الحرب ودمارها وجنونها هو إيجاد مخرج ديبلوماسي يقدم حلولاً مقبولة للأسباب التي دفعت الأطراف لقرع طبول المواجهة.