كنت متأرجحا ما بين السابعة عشرة من عمري والثامنة عشرة، عندما ابتعثتُ إلى الاتحاد السوفيتي، جمهورية أوكرانيا، لدراسة الطب (أوقفت دراستي هناك بعد أول كورس والتحقت بالجيش، أي أنني انتقلت من علاج الناس إلى قتلهم. تغيير تخصص ليس إلا)… هناك في الكلية، ولسوء الحظ، بلغني بأن إحدى المعلمات يهودية، فقامت قيامتي ولم تقعد، وقررت أن أدخلها الإسلام، بالتي واللتيا، أو بإحدى هاتين العقوبتين. لاوقت لدي للمزاح (وقتها، لو رأيت الحضر لدعوتهم إلى الإسلام فما بالك باليهود)… يهودية مرة واحدة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.
الأمر محسوم، هذه اليهودية يجب أن تدخل الإسلام، لكنني اصطدمت بحاجزين، الأول، هو ثقافتي الدينية التي لا تسعفني، فمطالعتي كانت محصورة في كتب عنترة والزير سالم، وكلاهما مات قبل الإسلام، ووقتي في السابق كان موزعا ما بين التعارك مع الطلبة والتدخين في الساحة الخلفية للبنك. أما الحاجز الثاني فهو أنه لم يمض على وجودي في الاتحاد السوفيتي سوى أسبوع واحد، وهناك لا يتحدثون الانكليزية. متابعة قراءة «يو بروبليم»
الشهر: يونيو 2008
جلسة مع الناطق الرسمي لعرفات
ضمني قبل فترة قصيرة لقاء خاص على ضفاف النيل مع د.مروان كنفاني المستشار السياسي والمتحدث الرسمي باسم الرئيس ياسر عرفات، وقد اخبرني ضمن الجلسة عن تفاصيل لقاءات عرفات بالقادة العراقيين عامي 1990 – 1991 محاولا تبرير مواقف عرفات المعلنة بمواقفه غير المعلنة في الغرف المغلقة مع صدام التي ادعى انها تصب لصالح الكويت وهو ما رفضته وقلت ما الذي منع عرفات ان صحت تلك المواقف من اعلانها للملأ بدلا من صيحة «مرحى مرحى للحرب» التي قالها امام وسائل الاعلام ثم هرب بعدها من بغداد؟
وقد امتد الحديث للقضية الفلسطينية وما اتى في كتابه الاخير «سنوات الامل» وسلسلة لقاءاته مع جريدة «دنيا الوطن» الفلسطينية التي شبه خلالها عرفات بالمفتي امين الحسيني في اخلاصهما للقضية (كذا) وكان رأيي الشخصي الجاد ان الشعب الفلسطيني لو اعطى وكالة عامة في الثلاثينيات للدكتور ناحييم وايزمن زعيم المنظمة اليهودية بدلا من المفتي الحسيني وبعده للجنرال دايان بدلا من عرفات لما اصابهم عُشر الكوارث والضرر الذي حصدوه من تلك القيادتين.
واكملت بأن محاولة تبرئة القيادات والابوات الذين ابتليت بهم القضية الفلسطينية منذ يومها الاول تعني ان الخطأ والقصور في الشعب الفلسطيني، وهو امر يجب الا يقبل به من يتبنى تلك القضية، وقد رأى د.كنفاني وبغرابة شديدة ان نقدي لعرفات هو نقد للقضية الفلسطينية، اي انه اختزل القضية بشخص عرفات، وما ذكرني بمقال خططته اوائل الثمانينيات في جريدة «الأنباء» ضمن زاويتي المسماة آنذاك بـ «من فوق السحاب» واسميته بـ «المنظمة هل حان وقت التغيير؟» طالبت فيه بتنحية ابوعمار الذي كان يحظى بقداسة مطلقة في الكويت بسبب اخطائه المتكررة والجسيمة في الاردن ولبنان، وبعدها بأشهر اشتعلت حرب المخيمات ضده مطالبة بعزله ممن لا يقلون سوءا عنه امثال ابوموسى وخالد العملة وغيرهما من الابوات والاغوات.
وكنت قد اصطحبت معي في اجازتي الاخيرة عدة كتب لذكريات ومذكرات جمع من القادة البارزين في القرن العشرين ومنها كتاب ديڤيد ماكلوك عن الرئيس هاري ترومان والذي يقع في 1200 صفحة، وضمن الكتاب تفاصيل ازمة الحكم الاميركية الخانقة في ابريل ومايو 1948 بسبب الخلاف الشديد بين الرئيس ترومان من جهة ووزير خارجيته الجنرال مارشال وقياداته امثال السيدة إليانور روزفلت المبعوثة الاميركية للامم المتحدة من جهة اخرى ممن رفضوا اعتراف اميركا بقرار التقسيم، وقد تقدمت اليانور باستقالتها تبعا لذلك كما تحول ابناها فرانكلين واليوت من حزب الرئيس الديموقراطي الى حملة الحزب الجمهوري المنافس.
وكان مقترح الجنرال مارشال ان توضع فلسطين تحت وصاية الامم المتحدة حتى الوصول الى حل وان قرار التقسيم سيخدم الرئيس ستالين الذي ملأ فلسطين باليهود الشيوعيين والاشتراكيين من روسيا وشرق اوروبا، اما الرئيس ترومان فقد كان موافقا في البدء على آراء وزارة خارجيته، الا انه خضع في النهاية لحملات الصحافة واللوبيات والنواب الداعية للقبول بقرار التقسيم بعد ان تدنت شعبيته لاقل من 35%، واظهرت استطلاعات غالوب آنذاك ان الحزب الجمهوري سيفوز في انتخابات نوفمبر 1948 ايا كان مرشحه، كما اتهمته جريدة النيويورك تايمز المؤثرة انه باع ارض العسل واللبن التوراتية في سبيل ارض العرب النفطية مما اضطره للرضوخ في النهاية وقد فاز الرئيس ترومان في النهاية بالانتخابات اللاحقة.
آخر محطة:
اتى في الكتاب ما لم تقله الثوريات العربية قط وهو ان اعتراف اميركا آنذاك باسرائيل كان اعتراف «De Facto» اي الاعتراف بالامر الواقع – شرعيا كان او غير شرعي – اما اعتراف الاتحاد السوفييتي فقد كان تحت مظلة «De Jure» اي الاعتراف بان قيام الدولة الاسرائيلية امر شرعي وقانوني.
جدار «الأسمنت الخليجي»
هو أكثر سوءا من جدار الفصل العنصري الصهيوني! أسوأ بكثير. فأولئك صهاينة محتلون، وهنا، ست دول تمثل «مجلس التعاون الخليجي» أرادت أن يكون لها كيان قوي تواجه به العالم، فإذا بها تتحدى بعضها بعضا في أكثر من مناسبة، وفي أكثر من حادثة «والسري منها لا يعلم به إلا الله»…
هل هذا ما أراده قادة دول مجلس التعاون؟ أن تعيش شعوب المنطقة «ملطشة» السبعة والعشرين عاما حتى نتمكن من العبور ببطاقة الهوية! وأن يحاصر أبناء الخليج وراء قضبان هذه الدولة أو تلك لتسقط كل الاتفاقات الأمنية والبروتوكولات… بل وأبسط حقوق المواطنة؟ هل ينمو الحلم الأسود في عقولنا بمستقبل زاهر: مليء بالخير لشعوب المنطقة، اتفاق على قضايا ذات الاهتمام المشترك، ما فيه صالح الشعبين الشقيقين والكثير الكثير من العبارات المعلبة التي لا يستحي من تكرارها الإعلام الخليجي؟
جاء الآن جدار الأسمنت، بعد أشهر من «طابور الشاحنات المصابة بالنحس».
ولا واحد من المسئولين المعنيين بشئون جسر الملك فهد أو في القطاع التجاري أو في الغرف الصناعية استطاع أن يجيب على سؤال واحد كررته مرارا :»ماذا تخفي قضية الشاحنات؟ فلم تعد مجرد مشكلة فنية أو حاسوبية أو ادارية على الجسر بعد مرور كل هذه المدة؟ ما الذي يحدث؟ وما مدى دقة ميولي الى فكرة وجود تكتل ما بين أصحاب نفوذ تجاري واستثماري يريدون تقديم مصالحهم؟ ولم أحصل على إجابة!
إذا، جاءت مشكلة الإسمنت المستورد عبر جسر الملك فهد بقصة الأربعمئة مستند للموافقة على عبور الشاحنات!
يا جماعة، حين نقول أربعة مستندات أو أربع وثائق فهذا كثير، فكيف يمكن للعقل المدبر والعبقري الخطير الذي استطاع أن يقضي كل هذا الوقت في إقرار اجراء لا يمكن تمريره الا بالتوقيع على أكثر من 400 مستند وفي كل مستند نحو 5 صفحات، ولابد أن تذهب «شاحنة المستندات تلك» الى الرياض لتعشعش في مكاتب أكثر من مسئول عدة أشهر.
يا حكومتنا… رجاء رجاء رجاء… لا تقبلي أن نكون نحن دائما «الطوفة الهبيطة» ليجرب علينا من يشاء، أفكاره واجراءاته… فسوقنا الصغير لا يتحمل مثل هذه الإجراءات من أية دولة كانت… اذا كان أصحاب المشاريع الكبرى والأبراج والجزر والمنتجعات، لن يتحملوا مثل هذه «المصائب» وهم ينفذون مشاريع بالمليارات… فكيف حال المواطن منا الذي يلصق نفسه في المصارف من أجل القروض؟
يا حكومتنا… في الموضوع سر فاكشفيه.
هل نتفاءل أم نتساءل؟
التفاؤل بواقع الكويت مازال ممكناً. فهناك عشرات من عناصر القوة. فالكويت تمتلك شعباً يعبر عن نفسه بصورة علنية، وتمتلك حريات في التعبير قلما نجد لها مثيلاً في العالم العربي، كما أنه في الكويت قدرات مالية كبيرة تعكس أوضاعها النفطية والأسعار المواتية في الأعوام القليلة الماضية، كما تمتلك الكويت نظاماً ديموقراطياً يسمح لها بالتواصل السياسي الذاتي على كل صعيد. في الكويت الحكم تشاوري، والحكم مشترك بين مجلس الأمة وبين الحكومة، ولكل مسؤول صلاحيات. في واقع كهذا لا بد من التفاؤل بالتعبير العلني، وبوجود مؤسسات ديموقراطية في ظل إمكانيات اقتصادية متوافرة. إن تداخل العناصر الرئيسية في الكويت بإمكانه أن يحولها إلى واحة رخاء وتنمية إقليمية. متابعة قراءة هل نتفاءل أم نتساءل؟
وزراء ونواب والخيارات الخاطئة
استضافتنا ليلة قبل أمس الزميلة منتهى الرمحي في برنامجها الشائق «بانوراما» على العربية، وقد سألتني عن الوزير د.فاضل صفر، وكان مما قلته في الاجابة ان قضيته لربما قد حفظت أو ان الامر مازال منظورا من قبل القضاء، لذا فلا يجوز لأحد التحدث به، وقد اتصل بي احد الزملاء المطلعين على خفايا الامور ليخبرني ان القضية لم تحفظ كونها لم تصل اصلا للقضاء، حيث تم اطلاق سراح من تم استدعاؤهم لعدم وجود تهمة ثابتة بحقهم.
الضوابط الشرعية تعني عقلا ومنطقا الحشمة اي الا يأتي نائب او نائبة، وزير أو وزيرة للمجلس بشورت او لباس غير لائق بذلك المكان، ولا يعني ذلك بالقطع قضية اطالة اللحية أو تقصير الدشداشة للرجال أو الحجاب أو النقاب او البرقع او الملفع للنساء، للمعلومة الوزيرات الفضليات متزوجات وبعضهن جدات، ولا يجوز لبعض النواب تعريضهن لما تعرضن له بالأمس.
وللمعلومة ايضا، لبس الحجاب في جلسة خاصة امام السيد نصرالله او الشيخ ابن عثيمين طبقا لشروط الشخص الداعي
لا يعني فرض لبسه في الاماكن العامة التي لا تشترط ذلك.
تم في الوزارة الاخيرة توزير ممثلين عن الكتل والتوجهات السياسية المختلفة، فتم انتقاد ذلك التشكيل بدعوى ضرورة البعد عن «المحاصصة» ولو تم الاخذ بتلك النصيحة لانتقد التشكيل – من تاني – كونه لم يأخذ نتائج الانتخابات بعين الاعتبار ويوزع الوزارات بالمحاصصة، حل الاشكال ان يتم في المرة القادمة وضع لائحة بحكومتين مشكلتين بطريقتين متضادتين ثم تعلن الاولى قبل القسم وما ان يتم انتقادها – كالعادة – حتى يتم اخراج التشكيلة الثانية المتوافقة مع متطلبات المنتقدين من الادراج والاعلان عنها، وصدقوني راح تنتقد كذلك من نفس مقترحيها.
كنا اكثر الناس اعتراضا على الطاعنين بنتائج الانتخابات الماضية بعد نشر النتائج التفصيلية في الزميلة «الشاهد» قبل يومين، نرجو حسما للامر ان يصدر امر قضائي بإعادة الفرز يدويا بحضور جميع المندوبين ثم تقر النتائج الجديدة، فالحق اولى ان يتبع ومن الضرورة بمكان ان يتم اصلاح اي قصور او نواقص في العملية الانتخابية مستقبلا.
يفترض ان يؤدي طول الممارسة للاتقان والاختيار الصحيح، احد مخضرمي المجلس الافاضل دعا للدوائر الخمس وتبعه الآخرون بحجة انها ستقضي على الفرعيات وشراء الاصوات.. الخ، فثبت العكس تماما، وتحول من المركز الاول في النظام السابق الى المركز التاسع في النظام الذي دعا اليه، كذلك تبنى مقترح الاراضي العامة للدولة، مما اوقف تماما تحويل الصحاري القاحلة الى اسواق ومنتزهات عامرة وهجرة الملايين للخارج، كما اعلن ترشيحه للرئاسة ثم الانسحاب منها بطريقة اضرت به ايما ضرر، كما اعلن دون داع تأييده للنائب الفاضل عبدالله الرومي فأكسبه عداواته وخصوماته، وادى به الى الكارثة، المرجو من النائب المخضرم التوقف عن الدعوة هذه المرة للدائرة الواحدة غير المعمول بها في العالم أجمع كونها دعوة لتدمير البلد وتخريب العملية الديموقراطية بالكامل.. وكفاية اجتهادات خاطئة، فالكويت ليست حقل تجارب.
السلام والعلم ومرجعيون
تباينت ردود الفعل على رفض النائب محمد هايف، الوقوف في حفل رسمي اثناء عزف النشيد الوطني. كان البعض مستهجنا وآخرون مستحسنين، وهؤلاء كانوا في غالبيتهم من غلاة رجال الدين. والغريب ان الصورة التي احدثت كل تلك الضجة بينت كذلك وقوف ضيوف آخرين من اتجاه النائب نفسه، وفي الصف نفسه، فكم سلف هناك غير العلمي والعلمي!
قامت بعض الصحف المحلية بسؤال مجموعة من رجال الدين عن رأيهم في تصرف النائب، فقال احدهم انه فعل حسنا، فالوقوف لسماع السلام الوطني مكروه لعدم وجود ما يبرره «شرعا»! وقال آخر إن تحية العلم لا تجوز شرعا، بل هي بدعة محدثة! ومن الواضح ان من قال ذلك، او افتى به، لم يسمع ان المسلمين، ومنذ اول ايام الرسالة، كان لهم علم مميز يحمله محارب قدير وان سقط في الحرب حمله من هو بعده.. وهكذا! وصرح رجل دين ثالث بأن تحية العلم وتقبيله واجلاله، حرام شرعا!
على الرغم من ان احترام العلم ورفعه على الصواري وعلى الدوائر الرسمية وتمييز سفارات الدولة به، واداء التحية له، مدنيا وعسكريا، امور محدثة ــ كما صرح هؤلاء ــ فان من الواضح ان هناك عشرات آلاف الامور المحدثة التي يتسابق رجال الدين هؤلاء وغيرهم لاستخدامها بالرغم من انها امور محدثة او طارئه او جديدة، بل ان هؤلاء غالبا ما يصرون على ان يكون طلبهم من احدث طراز وآخر تصميم وأحدث موديل!
سنتفق مع المعادين لتحية العلم وللوقوف للسلام الوطني واحترام النشيد الوطني، على أنها امور «محرمة شرعا»، على الرغم من ان ايا منهم لم يورد سببا مقنعا يبين فيه سبب التحريم الشرعي. ولكن، هل كل ما يقوم به المسلم اليوم في هذا الزمن المتشابك في علاقاته والمتداخل في اموره هو في حقيقته متسق مع شرع هؤلاء، وهو بالتالي حلال عند الجميع؟ ألم يعارض متولي الشعراوي طويلا غرف العناية المركزة في المستشفيات بحجة انها تبقي المريض حيا من خلال اجهزة انعاش، وبالتالي هي ضد ارادة الله، وما ان اصيب صاحب هذا الرأي بالمرض حتى نقل بطائرة ملكية الى لندن ليبقى اسير العناية المركزة لشهر ليعيش بعدها سنوات طويلة؟
وماذا عن حكم الملالي في طهران، ألم يأخذوا من الامور قشورها عندما رفضوا ارتداء ربطة العنق، بحجة انها تقليد للشيطان الاكبر ولم يتوانوا في اللحظة نفسها عن ارتداء ما يصنعه هذا الغرب الكافر من قماش لأطقم ملابسهم وحرير عباءاتهم ونظارات قراءاتهم الدينية وأسلحة دمارهم؟!
للسيد محمد هايف حق رفض الوقوف عند عزف السلام الوطني ورفض تحية العلم، ولكن هل سيرفض القسم على احترام الدستور، وهو بدعة؟ وهل سيرفض فكرة استعراض حرس الشرف، وهي ضلالة؟ وماذا سيكون رأيه في الاستعانة بالخبراء الدستوريين والمحكمة الدستورية، وكلها مستجدات محرمة شرعا؟ وماذا عن رئيس السن وانتخابات اللجان، واصوات النساء التي اتت به نائبا، وعشرات، لا بل مئات القضايا الخلافية المستحدثة الاخرى التي لا يستطيع احد الفكاك منها، حتى لو اراد، الا اذا هجر الدنيا وما فيها وسكن كهفا بعيدا منفردا وحيدا؟! وهذا لن يحدث، فالسيارة المجانية والهاتف الخلوي وجواز السفر الخصوصي ووفود الصيف الاوروبي كلها في انتظار نوابنا، وامام كل هذه الاغراءات تهون مرجعيون.
أحمد الصراف
[email protected]
عالخصر التنورة
كتبت في مقالي السابق، أول من أمس، أن الكويتيين بريئون من تهمة الذكاء، فدارت محركات تكنولوجيا الاتصالات بأقصى سرعاتها؛ البريد الالكتروني لم يهدأ، رسائل الهاتف النقال تزاحمت على باب «صندوق الوارد»، الاتصالات والتعليقات حاصرتني برا وبحرا وجوا… وكلها تدور حول نقطة واحدة: لماذا اتهمتنا «ظلما» بالغباء؟ وكأنني مواطن من السلفادور، الدائرة الرابعة.
في طريقي لتفسير جملتي تلك، سأقفز الحقيقة المعروفة بأن عدم الحصول على الشيء لا يعني التحول إلى نقيضه، أي أن الإنسان غير الثري ليس فقيرا بالضرورة، وغير الطويل ليس قصيرا بالضرورة، كذلك غير الذكي ليس غبيا بالضرورة، لكنه بالتأكيد ليس ذكيا… سأقفز هذا لأتمعن في وجه ذكاء الشعب الكويتي وأصف ملامح وسامته.
نحن شعب، لفرط ذكائه، لا يقرأ، ويبدو أن قدوتنا هو جورج بوش الابن (له قصص طريفة في عدم حبه للقراءة، منها أنه لم يقرأ تقارير وكالة الاستخبارات الأميركية المكدسة على مكتبه في شهر أغسطس عام 2001، أي قبل تفجير البرجين بنحو شهر، وكانت تقارير الاستخبارات تلك تطلعه على ورود معلومات مؤكدة عن عزم تنظيم القاعدة القيام بعمل إرهابي كبير في أميركا «قريبا»)… ثم اننا شعب، لحدة ذكائه، يختار الأصوليين من الطائفتين نوابا له ثم يحك رأسه بدهشة مستغربا خلافات النواب حول قضايا تاريخية على حساب نهضته. متابعة قراءة عالخصر التنورة
من تحت قبة البرلمان
نبارك للرئيس جاسم الخرافي ثقة الشعب عبر ممثليه به، متمنين ان يتجاوب النواب الافاضل مع دعوة ابو عبدالمحسن للتهدئة والبعد عن التأزيم والتركيز على ما ينفع ويسر الناخبين من تسريع في عمليات البناء والتنمية وحل مشاكل الغلاء والبطالة والصحة والمرور.. الخ، فقد قارب الشعب الكويتي على الكفر بالعملية الديموقراطية من كثرة الضجيج والطنين وقلة الطحين.
رئاسة المجلس التشريعي هي – بروتوكوليا – المنصب الثاني في الدول، لذا يتم العمل على استقرار ذلك المركز المهم والبعد به عن الاهواء والمزايدات التي تحيط باجواء العمليات الانتخابية عادة، وقد جرى العرف على التمديد بشكل آلي لمن يتولى ذلك المنصب من قبل الكتل والاحزاب السياسية، لا تعريضه كل عامين او اربعة لعمليات الانتخاب والمنافسة.
ففي الكونغرس الاميركي يتولى بالتعيين نائب الرئيس الذي قد يكون جمهوريا رئاسة مجلس الشيوخ الذي قد يكون ديموقراطيا في اغلبه، وفي بريطانيا ام الديموقراطيات الحديثة يتفق الحزبان عادة على شخصية رئيس البرلمان ويتم تثبيته في ذلك المنصب لسنوات طوال، وقد جرت الاعراف الا يتم ترشيح منافس له في دائرته الانتخابية كما يتم التجديد له بالرئاسة حتى لو فاز الحزب المنافس بأغلب كراسي البرلمان، وهو ما تم عندما بقيت رئيسة البرلمان البريطاني المحافظة حتى مع اكتساح حزب العمال للانتخابات اللاحقة.
ان العملية الديموقراطية في الدول المتقدمة وحتى في دول العالم الثالث لا تكتفي بالنصوص بل تخلق اعرافا راقية يتم الالتزام بها كديمومة مركز الرئاسة واعطائه الاستقرار اللازم، وقد تكون احدى الفوائد المكتسبة من خلق مثل ذلك العرف في الكويت البدء بخلق او تفعيل مواد محاسبة النائب الذي يخل بالانظمة المرعية او يسيء لسمعة المجلس.
فعبر ما يقارب نصف قرن من التجربة البرلمانية في الكويت، تمت محاسبة واستجواب واعفاء واقالة واستقالة عشرات الوزراء، وفي المقابل لم يتم قط محاسبة نائب واحد حتى بالحدود الدنيا او رفع الحصانة عنه، رغم ان عدد النواب يفوق عدد الوزراء بثلاثة اضعاف، وقد يكون السبب الرئيسي والاساسي في ذلك الامر المتوارث هو عدم استقرار منصب الرئاسة وجعله عرضة لرضا وغضب النواب بعكس رئاسة السلطتين الاخريين (التنفيذية والقضائية) مما لا يحتاج الرؤساء فيها لمراضاة مرؤوسيهم.
آخر محطة:
التهنئة القلبية للزميل الزين ماضي الخميس على اختياره مديرا تنفيذيا لشركة ادكس للاعلام، وكذلك على وصول مولودته الاولى «الزين»، مبروك.
السلف و«دزموند توتو»
إبان سيطرة العنصريين البيض على شعب جنوب افريقيا وبلوغ عمليات القتل والتدمير والاغتصاب ذروتها، صرح القس دزموند توتو، رئيس اساقفة جنوب افريقيا، بأن من المؤلم ان يحدث كل هذا القتل والتشريد والتخلف الاقتصادي والحضاري وحتمية التاريخ تقول ان سياسة التمييز العنصري ستنتهي يوما ما، وان اي تعجيل في الاقرار بهذه الحتمية سيكون في مصلحة الدولة وسينتج عنه انقاذ ارواح آلاف الابرياء من موت محقق، وانتشال اقتصاد البلاد من انهيار لا مفر منه!
نقول ذلك على ضوء ذلك الانتصار الباهت الذي حققه السلف في الانتخابات الاخيرة والذي وصفه احد الزملاء بأنه «نصر مبين وكبير وتاريخي لأكبر تجمع سلفي في الكويت»!! فهذا الانتصار لا يزيد على كونه حركة ضد التاريخ وضد التطور البشري وضد الحرية والاتجاه العام للانفتاح على الآخر والتواصل معه بصرف النظر عن لونه وجنسه وجنسيته ومعتقده.
وبالتالي يصح القول ان اي حركة سلفية التفكير والتصرف معادية للاتجاه العام ولحركة التاريخ لا يمكن ان تنتصر في معركة الحياة، ولو فازت بجولة هنا او بنصر مؤقت هناك، فالتطور العصري يتطلب الانسجام مع الحس الدولي العام والاتفاق معه في حركته اليومية واقتصاده وافكاره وتسامحه وبعده عن التطرف في الفعل والقول، وبالتالي من السخف حقا الاصرار على جر الامة لمتاهات فقهية، واعادتها لكهوف التاريخ من خلال رفض مخرجات العصر الحديث ومظاهره وما يعنيه ذلك من ضرورة مواكبة دول العالم الاخرى سعيها الحثيث نحو التقدم والحضارة، كل ذلك بدعوى مخالفة هذه الامور لصحيح الدين وعدم انسجامها مع الشريعة او فقه الجماعة!
فجميع مطالب السلف، او المغالين في الدين، ولأي مذهب انتموا، لا تخرج عن تقصير دشداشة وتطويل طرف عباءة ورفض عطلة السبت، وطرد وفد ستار اكاديمي وتشجيع على الانغلاق والنهي عن التواصل، وحصر المعروف في امور الدين، كل هذه لن تؤدي لرفع المستوى العلمي للمواطن، ولن تساعده في تطور البلد اقتصاديا وتجاريا، بل انها جميعا ستنتهي، شاء من شاء وابى من ابى. ولا ادري بالتالي لماذا لا يقص الجماعة الحق من انفسهم مبكرا، ويعملون بنصيحة القس «توتو» ويقرون بأن ما يسعون لتحقيقه معاد لحركة التاريخ ومآله الفشل، وان رفض الاقرار بذلك لن ينتج عنه غير مزيد من التخلف والتشرذم والفرقة على كل الاصعدة!
نعود ونذكر بوضع لبنان الذي لم يصل الى ما هو عليه من خراب الا بسبب اعتقاد كل فريق، والمتطرف في تدينه منهم بالذات، ان الله والحق معه وليس مع الاخر، فهل نتعلم من حركة التاريخ شيئا؟
ملاحظة: أفهم، وأتفهم، سبب قيام البعض بتقصير اطوال ملابسهم، ما لا افهمه حقا، هو اصرارهم في الوقت نفسه على ان تكون اردية نسائهم طويلة بحيث تجرجر الواحدة عباءتها خلفها على الارض وقد علق بأطرافها الكثير من التراب!! هل لدى احد جواب على هذا السؤال الخالي من الهزل؟
أحمد الصراف
[email protected]
النطق السامي عَكَسَ حس المواطن
بعد أن قال المواطن كلمته بطريقة صريحة وواضحة لممثليه بعدم الرغبة في التأزيم والدعوة للدفع بعجلة التنمية سريعا الى الأمام، أتى النطق السامي الذي ألقاه صاحب السمو الأمير المفدى صباح أمس، مؤكدا على هذه الثوابت الوطنية بشكل لا يترك مجالا لسوء الفهم او الادعاء بعدم وصول الرسالة من أبي الجميع و«نوخذة» سفينة الوطن.
فبعد تهنئته الأعضاء بثقة الناخبين أتت في النطق السامي الحاجة إلى «التسامي بقيمنا الموروثة والارتقاء بأهدافنا وطموحاتنا متطلعين الى غد يحل فيه التعاون محل الاختلاف، كي لا تضيع المشاريع التنموية في زحمة الخلافات والازمات السياسية فالتعاون حوار خلاق وعمل دؤوب والاختلاف والجدل مدعاة للخذلان والتخلف».
كما طالب سموه النواب بالابتعاد عن «ما شهدته العلاقة بين السلطتين في الفصل التشريعي السابق من أسلوب التهديد والتصعيد والتشكيك وتدني لغة الحوار والتطاول على الآخرين والاندفاع بالعمل البرلماني لغير أغراضه والاتجاه نحو التعسف والشخصانية احيانا في استعمال بعض الأعضاء لحقهم الدستوري (الاستجوابات غير المبررة) بالاضافة الى المبالغة في تقديم الاقتراحات بالقوانين ذات الطابع الانتخابي المحض، ولعل ما يثير التساؤل ما برز مؤخرا من مظاهر تمثلت في استمراء مخالفة القانون والتحريض على تجاوزه والاساءة للمسؤولين بما ينال من هيبة الدولة ومكانتها».
كما ذكّر سموه النواب الأفاضل بأن «تعيين رئيس مجلس الوزراء هو اختيارنا وقرارنا وحق أصيل للأمير وحده وفقا لأحكام الدستور لا يجوز لأحد التجاوز عليه أو التدخل فيه، وقد نبهنا مرارا الى مغبة الاستقواء بغير القانون أو الخروج على الثوابت الوطنية كي تبقى محصنة ضد أي فوضى أو فتنة أو خراب».
وأتى ختام النطق السامي قويا كحال مبدئه، حيث ذكر النواب الأفاضل بما جرى في الماضي القريب: «ازاء مظاهر الانحراف والتجاوزات كان لزاما اتخاذ قرار حل مجلس الأمة السابق بعد ان استنفدت جميع السبل والتضحيات والدعوات التي لم تجد نفعا، وان امانة المسؤولية تفرض علينا التدخل دوما لئلا تكون مصالح البلاد مطية الأهواء، متمنيا على الجميع تحكيم العقل والضمير في تقويم تجاربنا السابقة استخلاصا للدروس والعبر».
لقد نصح سموه النواب في المجلس السابق ودعاهم أكثر من مرة للبعد عن نهج الإثارة والتأزيم إلا ان البعض سار في طريق مخالف للنصح الأبوي فانتهى الأمر بالحل الذي شهدناه، وقد اتى النطق السامي ناصحا مرة أخرى وداعيا الحكومة والمجلس لرفع شأن الكويت والدفع بعجلة التنمية إلى الأمام، فهل يتم تحكيم العقل هذه المرة ونشهد 4 سنوات من الاستقرار السياسي والانجاز الاقتصادي؟ نرجو ذلك فالكويت لا تحتمل سنوات جديدة من التأزيم والتخلف.