خارطة العنف والصراع في الشرق الأوسط تسيطر على الوضع. فهناك حرب محتملة مع إيران، بينما يعلن الرئيس السابق محمد خاتمي المعروف بوسطيته ترشحه للرئاسة في إيران للانتخابات المقبلة. وهناك مأزق لبنان المستمر بين اشتباكات في الشمال وصعوبة تشكيل الحكومة وآفاق انعكاس حرب محتمله مع إيران على لبنان، إلى جانب محاولات اللبنانيين الخروج بتسوية تتابع ما اتفقوا عليه في قطر.
وهناك عوالم متوترة في العراق بين محاولة إثبات الحكومة لقدرتها وسط فوضى المواجهات ولغة الشارع. وفي غزه تتفق «حماس» على وقف إطلاق نار مع إسرائيل وتحتج «كتائب الأقصى» المؤيدة لـ «فتح» من خلال إطلاق الصواريخ على إسرائيل، بينما تسر إسرائيل لحالة الانشقاق الفلسطيني – الفلسطيني التي تساعدها في الاستمرار بتوسعة استيطانها وتنفيذ سياساتها. وفي السعودية اكتشاف مئات المنضوين في جماعات كانت تنوي القيام بعمليات مسلحة، مما يعود ويثير الأسئلة عن الأسباب التي تجعل ظاهرة الإرهاب تتوسع إلى هذا الحد وعن الأسباب التي تجعل أعداداً كبيرة وما شابه تنضوي تحت لواء مشروع تفجير ثروات ومؤسسات وطنية؟ وفي مصر يختلف الناس على الرغيف وسط تساؤلات عن المرحلة القريبة المقبلة. في كل دولة عربية قصة عنف وضيق مع المعارضين ومع الموالين، وقصة أخرى عن علاقة الدين بالمعارضة، وعلاقة التدين بالرفض، وعلاقة الدولة بالتنمية. وفي كل دولة عربية مشكلة في بناء الإجماع الوطني وصون التوازنات الداخلية، وكأنها توازنات بين دول وشعوب متناثرة. في كل دولة عربية مشروع أزمة ومقاطعة وتعطيل وتقسيم.
أصبح الشرق الذي نرتبط به مشروعاً لإفشال دول وإسقاط أنظمة وإنهاء حكومات ووأد مشاريع. حديث العرب في كل مكان هو تساؤل عن أسباب الحرب الأخيرة ونتائجها السيئة، وتوقعات عن الحرب المقبلة ونتائجها الأسوأ، ومن هو الذي سيسقط في المعركة الأولى ومن سيبقى حتى النهاية، وماذا سيحصل بعد الحرب؟ ويتساءل الناس: هل الحرب المقبلة مع إيران أم مع «حزب الله» أم مع الفلسطينيين أم سورية أم مع بعض هؤلاء أو جميعهم؟ الحديث عن الحرب المقبلة، كالحديث عن الصيف الساخن أو الشتاء البارد، أصبح جزءاً من الصورة التي نقبلها لعالمنا الذي تمترس وراء الأسلحة.
كنا نحذر قبل عشرين عاماً من بلقنة المنطقة، وإذا بها تصبح كبلاد البلقان وحروبها القديمة، كنا نحذر قبل أكثر من عقدين من التطرف الديني وتراجع دول المنطقة في القيام بمسؤولياتها وفشل إدارتها وسط استمرار الصراع العربي – الإسرائيلي بحيث تتوسع إسرائيل بهدوء في ظل الصراعات العربية. كنا نحذر من سيطرة الغضب على العالم العربي، وسيطرة الجوع والفقر في أجزاء كبيرة منه وسط وفرة مالية وفوائض مالية في جزء آخر منه.
لقد بدأت الأزمات التي نعيشها الآن مع حرب العام 1967 وأثرها على العالم العربي. وانتقلنا من حرب إلى أخرى، ومن حرب أهلية إلى أخرى، ومن مقاومة إلى أخرى، ومن اعتبار السلاح زينة المجتمعات إلى تحويل السلاح لأداة تطويع المجتمعات، وانتقلنا من الاستقلال الوطني إلى التفتت القبلي والطائفي. هكذا نتساءل: ماذا حققنا على مدى العقود الأربعة الأخيرة؟
إن استمرار هذا الوضع عربياً وإسلامياً سوف يترجم إلى مزيد من التدهور والقلاقل في دول العالم العربي، وهو يعني أن هذه الفوضى (رغم التنمية الكبيرة في الإمارات وقطر والبحرين ورغم جيوب من التنمية نجدها في بعض الدول العربية) سوف تصل إلى الجميع. فما يقع وسيقع في السعودية سوف يؤثر حتماً في دول مجلس التعاون والأردن، وما سيقع في إيران سيؤثر في الكويت والبحرين وبقية دول مجلس التعاون والعراق وفلسطين، وما يقع في فلسطين سيؤثر في جميع الدول الإسلامية. الترابط بين الحال العربية والأخرى وبين الدولة العربية والثانية وبين الامتدادات القبلية والطائفية والفكرية والدينية والاقتصادية والسياسية يجعل مصير دول المنطقة متداخلاً، كما يجعل مشروع إنشاء الدولة هو الآخر مشروعاً صعباً.
هل هناك فرص وسط هذا كله؟ الإجابة هي نعم. فمن خلال التمزق قد تقع حال التحول نحو أمر آخر، ومن خلال الفوضى قد تبرز إرادة النظام والبناء. إن تذكرنا آسيا وحروب فيتنام ولاوس وكمبوديا في الخمسينات والستينات، وإن استحضرنا تجارب أميركا اللاتينية في السبعينات، وحال أوروبا في الحرب العالمية الأولى والثانية، سنجد أن الشعوب المتضررة تنهض في آخر المطاف وتضع حداً لفوضى الموت والتدهور.