هل أصبح أوباما مرشح العالم للرئاسة في الولايات المتحدة، إضافة الى كونه مرشح قطاع كبير من الأميركيين خصوصاً من فئه الشباب؟ وهل يكون أوباما أول الملونين الذين يأخذوننا إلى مرحلة جديدة في العلاقه بين الأعراق أميركياً وعالمياً: مرحلة ما بعد الأعراق؟ فهل تعيد هذه الحملة الصاخبة في تعبيراتها والجديدة في مفاهيمها تعريف الولايات المتحدة وتنهي في الوقت ذاته الكثير مما أثاره الرئيس بوش في العالم من رفض للولايات المتحدة وضيق من طريقة تعاملها مع شعوب العالم؟
لقد حققت ظاهرة أوباما المفاجأة تلو الأخرى لكل متابع للانتخابات الأميركية. ففي كل ندوة أو لقاء دعي إليه أوباما في المرحلة الأولى من ترشيحه جاءت جموع غفيرة هي عشرات أضعاف المتوقع للحضور، وعند كل محاولة لجمع التبرعات لحملته جاءت الردود من بسطاء الناس تعبر عن الاستعداد للتبرع إلى الحملة. هكذا يقود أوباما أكثر حملة شعبية في تاريخ الانتخابات الأميركية منذ عقود، ويتحول في الوقت نفسه إلى مرشح الكثيرين من الأميركيين كما أنه مرشح الشباب والجيل الجديد والبسطاء وذوي الدخل المحدود. في هذا يجمع أوباما في أسلوبه ورمزيته الكثير من المتناقضات الإيجابية.
أما ماكين فهو الآخر يمثل قوة قائمة في الساحة الأميركية، فهو يمثل الجيل القديم بخبراته كلها، ويمثل جانباً تاريخياً وعسكرياً على قدر كبير من الأهمية، ويمثل نظرة للعالم والسياسة الخارجية تمتلك من المقومات والأسس ما يساعد على استمرارها. هكذا يمثل ماكين الجيل الخبير، جيل الحروب الكبرى وجيل الحرب الباردة، وهو الجيل الذي يعد الأميركيين بالاستمرار في الحرب على الإرهاب وبالاستمرار في حماية الولايات المتحدة من أعدائها، وبالسعي في الوقت نفسه إلى بناء وضع اقتصادي أميركي أفضل.
أما أوباما فهو من جهة أخرى يرى العالم من نظرة أكثر إنسانية، ومن وجهة أكثر حضارية، وهو يمثل رؤية لحوار الحضارات، وتلاقي الاختلافات وتواصل المتناقضات، إنه ملتزم بأن يعيد إلى الولايات المتحدة الوهج الذي تمثله بصفتها دولة عالمية الاتجاه، وأن يتعامل مع العالم بدرجة أكبر من الاحترام. فأوباما سيكون رجل تحالفات مع دول كثيرة، وسيحاول استخدام ما للولايات المتحدة من تأثير لصالح حلول لمشكلات عابرة للقارات. أوباما يعد بأن يتعامل مع ما يعيد بناء الولايات المتحدة من الداخل، وما يعيد إليها اقتصادها وتعليمها والفرص المتساوية للجيل الجديد من الأميركيين. في هذا قد يؤكد أوباما الدور القيادي للولايات المتحدة من دون أن يعني هذا تأكيده لدورها العسكري والهجومي. إن أوباما يرمز إلى ما هو عكس اليمين، فهو يأتي إلى المنافسة الرئاسية من مواقع أقرب إلى اليسار، لكنه في الوقت نفسه يتعلم كيفية التعامل مع متطلبات الواقع وأعبائه وضروراته.
إن الولايات المتحدة في مرحلة انتقال من الدولة الكبرى الأولى إلى كونها الدولة الكبرى التي تتعامل مع دول كبرى صاعدة في المجالين المالي والاستراتيجي. إن الولايات المتحدة في مرحلة انتقال من كونها دولة كبرى تكتسب نفوذها من استخدام القوة، ما يساهم في تراجع شرعيتها ونفوذها عالمياً إلى دولة كبرى تكتسب نفوذها من مقدرتها على ملامسة القضايا العالمية الخاصة بالأمن والسلم والبيئة والتنمية والتكنولوجيا والعلم. إن بروز أوباما في هذه المرحلة وفي هذه الطريقة تعبير دقيق عن هذا الانتقال الذي تمر فيه الولايات المتحدة. لهذا عندما يصوّت الأميركيون في شهر نوفمبر المقبل سيكون التصويت على اتجاه الولايات المتحدة، وسيكون التصويت على المدى الذي سيسير فيه الناخب الأميركي في تبني هذا الانتقال وإيصاله إلى البيت الأبيض.