سامي النصف

أسباب التراجع

ذكرنا في مقال سابق أن احد اسباب تخلف الكويت الرئيسية والحقيقية هو النظرة السوداوية التي ترى في كل مشروع كبير سرقة كبرى رغم وجود أجهزة رقابية فاعلة غير مسبوقة كمجلس الأمة وديوان المحاسبة وجمعيات أهلية مختصة كحماية المال العام، وجمعية الشفافية ذات البعد الدولي، وفي جميع تلك الحالات تنتهي الدعاوى بإلغاء المشاريع الكبرى التي يطلق عليها معارضوها السياسيون عادة «سرقة العصر» بدلا من ضمان شفافيتها لإفادة البلد من عوائدها في وضع هو أقرب لقطع الرأس لعلاج الصداع فيه.

فقبل مدة وإبان عضويتنا في مجلس إدارة «الكويتية» تم اقرار عملية تحديث اسطول المؤسسة بتمويل ذاتي وعبر الاقساط الطويلة لشراء 19 طائرة ايرباص 320 بسعر 45 مليون دولار للطائرة و19 طائرة بوينغ 787 بسعر 110 ملايين دولار للطائرة من شركة مساهمة كويتية هي «الافكو» وقد استدعى مجلس الإدارة احد المسؤولين الطارئين ليخبرنا بأنه علم أن سعر طائرة الايرباص لا يتجاوز 28 مليون دولار وهو أمر اشاعه لدى كبار المسؤولين، وكان تعليقنا ان ذلك السعر ان صدق المسؤول – وقل ان يصدق سامحه الله – يعني ان مفاوضي المؤسسة اما غير اكفاء او غير امناء، وفي الحالتين هم مقصرون يستحقون المحاسبة، إلا ان معرفتنا بأسعار الطائرات المعلنة في العالم تدل على استحالة وجود مثل تلك الأسعار المتدنية.

وبدلا من ان يحافظ المسؤول على تلك الصفقة «اللقطة» مع شركة «الافكو» الكويتية حتى يحصل على احسن منها – ان استطاع – قام بإلغائها، وشكل لجنة برئاسته للحصول من المصانع على اسعار افضل، وتظهر محاضر اجتماعاته مع الايرباص انهم عرضوا 54 مليون دولار سعر بيع للطائرة الواحدة، وما يقارب 135 مليون دولار لطائرة البوينغ مع عدم وجود التزام بتسليم مبكر للطائرات، مما ادى في النهاية لحل لجنة الوزير بعد شهر من تشكيلها، وقد قرأنا قبل ايام في الصحف ان شركة «الافكو» باعت 5 طائرات ايرباص بـ 325 مليون دولار لاحدى الشركات الكويتية اي ما يقارب 65 مليون دولار للطائرة الواحدة، فخسرت «الكويتية» تبعا لذلك فرصة الحصول على طائرات حديثة رخيصة وبأقساط مريحة، وصدر ما هو اقرب لحكم اعدام عليها مع اضاعة فرصة تعويض بعشرات ان لم نقل مئات ملايين الدولارات من شركة بوينغ بسبب التأخير المعلن في تسليم طائرات 787 للعملاء، واصبحت الكويتية وآلاف من موظفيها وسلامة طائراتها في مهب الريح، ولم تعد كلمات «الخصخصة» تعني إلا مهدئات كاذبة لما قبل موت مؤسسة كويتية عريقة تجاوز عمرها نصف القرن.

وقبل عقد ونصف العقد دعينا كإعلاميين للقاء المسؤولين عن القطاع النفطي واستمعنا لحديث فني من مختصين كويتيين عن ضرورة الاستعانة بالشركات الاجنبية كحال جميع الدول النفطية الاخرى حتى المعادية للغرب كإيران وليبيا وعراق صدام حسين وكان مما قاله المختصون في حينها ان الطرق البدائية لاستخراج النفط تجهد وتدمر المكامن النفطية بينما يمكن عبر التقنية الحديثة استخراج النفط من المكامن الصعبة في الشمال حتى تتم اراحة حقول برقان في الجنوب فتتم تبعا لذلك اطالة امد المخزون النفطي للدولة لسنوات عدة، مرة اخرى ألصق بذلك المشروع مسمى «سرقة العصر» وتم ايقافه دون ان يخبرنا احد – كإعلاميين وكمواطنين – المبررات الفنية التي تفند مقولة الخبراء النفطيين الكويتيين الذين استمعنا لهم وعن السبب في قطع رأس آخر بدلا من علاج صداعه عبر وضعه تحت مظلة اي جهة رقابية يختارها المعترضون.

آخر محطة:
خوفنا في السابق من سرقات العصر جعلنا نتوقف عن بناء المستشفيات والجامعات والجسور والمشاريع الكبرى وضمن ذلك ما نسمعه حقا او باطلا هذه الايام عن سرقة عصر اخرى في مصافي النفط، حتى لا نزداد تخلفا نرجو خلق نظام محاسبي ورقابي جديد يبقي المرضى احياء لا أمواتا كدلالة على نجاح العمليات، ويبقي كذلك الرؤوس فوق الاجساد عند معالجة الصداع.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *