لم يشهد العالم اهتماماً بالانتخابات الأميركية كما هو حاصل الآن. فأعوام الرئيس جورج دبليو بوش شكلت هاجساً للعالم لأنه يمثل رئيساً لأقوى دولة في العالم من ناحية القدرات العسكرية والانتشار والتكنولوجيا والاقتصاد. ولكن الولايات المتحدة في الأعوام الثمانية الماضية خسرت كثيراً من شرعيتها الدولية التي اكتسبتها عبر العقود. لقد بيّنت الأعوام القليلة الماضية أن القوة العسكرية لوحدها لا يمكن أن تنتصر وتحقق إجماعاً. بل على العكس، تتحول القوة العسكرية إلى مشكلة، عندما تستخدم بلا إجماع وبلا توجه بناء ومبني على صدق استخدامها وعدالة أسلوبها.
لنأخذ الفارق الكبير بين حرب تحرير الكويت عام 1990، والتي نجحت الولايات المتحدة إبانها بحشد عشرات الدول وراء قضية عادلة في مواجهة ظلم واضح، وبين حرب تحرير العراق عام 2003 عندما غيّرت الولايات المتحدة النظام العراقي بالقوة بلا أي تأييد على الصعيدين الإقليمي والدولي. الفارق بين الحدثين كبير. في الحالة الأولى تدخل العالم إلى جانب الولايات المتحدة مالياً وعسكرياً، حتى سورية حشدت قواتها إلى جانب الولايات المتحدة. أما في العراق بعد عام 2003 فقد حشدت إيران وسورية الإمكانات ضد الولايات المتحدة، كما أن تركيا رفضت السماح باستخدام أراضيها لعبور القوات الأميركية، كما أن المملكة العربية السعودية رفضت استخدام أراضيها وهكذا، وتحوّلت مع الوقت حرب العراق إلى مشكلة سياسية أميركية لا تحظى بالدعم والتأييد الشعبيين. لقد خسرت الولايات المتحدة الكثير من المصداقية في العراق بصورة أكبر، عندما تبين أن العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل.
وهذا لا يعني الآن أن الولايات المتحدة مطالبة بالانسحاب من العراق، ولا يعني هذا في الوقت نفسه أن صدام لم يكن ظالماً لشعبه، ولكن هذا يعني أن الولايات المتحدة كان بإمكانها أن تبني تحالفات مقنعة، وأن تأخذ وقتاً أطول قبل الإقدام على تغيير نظام سياسي بالقوة لوحدها. كان المطلوب حشداً أفضل وقيادة أفضل من قبل الولايات المتحدة للتحضيرات كلها التي سبقت الحرب، وللإجراءات كلها التي تلتها. وفي هذا كان ضعف القياده الأميركية عاملاً أساسياً في تراجع شرعية الولايات المتحدة على الصعيد العالمي.
إن الولايات المتحدة التي بنت البنك الدولي، الأمم المتحدة، و«الناتو»، وقادت العولمة، والانفتاح التجاري العالمي، كما أنها تقود العالم في مجالات علمية وسينمائية وثقافية مطالبة الآن، وهي على وشك أن تنتخب رئيساً جديداً، بتغيير الصورة وبالعودة إلى السياسات التاريخية التي قامت على الإقناع، وبناء الإجماع العالمي قبل الإقدام على استخدام القوة. في هذا سيكون لزاماً على الرئيس الجديد العمل على بناء الشرعية السياسية والدولية واستعادة المصداقية التي شوهتها سجون مثل أبوغريب وغوانتانامو.
إن فرص المرشح الديموقراطي باراك أوباما وفرص المرشح الجمهوري جون ماكين تتساوى في هذه المرحلة، ولكن المرشح الديموقراطي أوباما قد يكون الأفضل للعب هذا الدور العالمي، وذلك لما لديه من قدرات قيادية وإمكانات في فهم الآخرين والاستماع إلى العالم. أوباما يمتلك توجهاً فيه أساس الديبلوماسية. إن فرص استعادة مكانة الولايات المتحدة غير ممكنة بلا سعي أميركي فعال إلى بناء عالم أفضل أكثر سلاماً وأكثر تفاهماً وارتقاء من العالم الذي سيتركه بوش بعد اشهر.