التفاؤل بواقع الكويت مازال ممكناً. فهناك عشرات من عناصر القوة. فالكويت تمتلك شعباً يعبر عن نفسه بصورة علنية، وتمتلك حريات في التعبير قلما نجد لها مثيلاً في العالم العربي، كما أنه في الكويت قدرات مالية كبيرة تعكس أوضاعها النفطية والأسعار المواتية في الأعوام القليلة الماضية، كما تمتلك الكويت نظاماً ديموقراطياً يسمح لها بالتواصل السياسي الذاتي على كل صعيد. في الكويت الحكم تشاوري، والحكم مشترك بين مجلس الأمة وبين الحكومة، ولكل مسؤول صلاحيات. في واقع كهذا لا بد من التفاؤل بالتعبير العلني، وبوجود مؤسسات ديموقراطية في ظل إمكانيات اقتصادية متوافرة. إن تداخل العناصر الرئيسية في الكويت بإمكانه أن يحولها إلى واحة رخاء وتنمية إقليمية.
هذا التفاؤل تقابله سلسلة من التساؤلات المعبرة عن القضايا السلبية التي تمثل أساس حالة الضيق السائدة في الكويت، والتي نلمس جانباً منها في خطاب صاحب السمو الأمير منذ أيام، ففي الكويت وصلت الصدامات بين المجلس والحكومة، في المرحلة التي سبقت الحل، إلى مستويات جديدة في الحدة واستخدام اللغة. ولو دققنا إيجابياً لوجدنا أن بعض هذه الصدامات ربما كانت حتمية وطبيعية، ولكن بعضها الآخر لم يكن ضرورياً، ولا ينعكس على الكويت إيجاباً، بما فيها انسحاب تسعة نواب في الجلسة الأولى يوم الأحد نتيجة الاحتجاج على وجود وزيرتين لا تلبسان الحجاب. هذا الموقف ينذر بمواجهات ليست في لب مصلحة التعاون بين السلطتين. ولو تابعنا ما وقع في الكويت في الأعوام الماضية لتبين لنا أن عجلة التنمية تراجعت هي الأخرى جدياً بسبب هذه الخلافات.
السؤال الكبير: كيف تنجح الكويت في المرحلة المقبلة في توسط صداماتها، وتخفيف الحدة، والتعامل مع القضايا بدرجة أعلى من التعاون؟ هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى فهناك تساؤل كبير عن واقع التنمية في الكويت، فمع كل يوم خسارة جديدة في التنمية، ومع كل يوم تراجع في مؤشرات التعليم، والتطبيب، والإسكان، والخصخصة، والقطاع الخاص، والخدمات، والأحوال العامة للكويت. هذا التراجع لم يأتِ من فراغ، بل إنه نتاج طبيعي لحالة الشلل التي فرضتها حال الصراع بين مجلس الأمة وبين الحكومة، ونتاج للمأزق الأوسع على الصعيد السكاني بين الفئات والطوائف، والقبائل، والعائلات والذي لم يتم التعامل معه بإدارة ناجحة حتى الآن.
إن واحدة من أكثر القضايا خطورة في الكويت كيفية تعامل الجهاز الحكومي مع القضايا، وكيفية تواجد وبناء جهاز حكومي فعال يتعامل مع التحديات اليومية وفق أسس علمية ومناهج إدارية حديثة. يصعب أن نضع اللوم على جهاز بعينه، أو وزير محدد، أو عضو برلماني، أو كتلة، فكل ما هو قائم في الحكومة اليوم يعكس تراكمات طويلة من الاسترخاء والاهتمام بالتحديات اليومية، في ظل غياب التركيز على الرؤية والاستراتيجية والرسالة الأساسية في عمل الحكومة. ففي الكويت: الكل ملام، والجميع مسؤول عن ما وقع ويقع وسيقع. فما هو حاصل حتى الآن أكبر من أن يرتبط باسم فئة دون أخرى، أو وزراة دون أخرى، أو حتى مرحلة دون مرحلة، فهو يعكس أزمة وطنية أكبر من الأطراف كلهم المكونين لها والمشكلين لتفاصيلها.
إن تحكيم العقلانية، وتحكيم وسائل جديدة في العلاقة بين السلطتين مثل وضع الأولويات، ووسائل وضع برنامج حكومي أساسه مستمد من الدستور، أصبح أمراً حتمياً وضرورياً. ولكن علينا أن نأخذ خطوة للوراء لنقيم طريقنا ونتساءل عن تجربتنا. وعلى سبيل المثال نتساءل: كيف تساهم برامج التعليم في إيجاد مجتمع أكثر صحة، وأكثر وحدة، وأكثر انسجاماً؟ كما نتساءل: ما الذي حصل في الكويت وأدى إلى هذا الاحتقان بين القبائل، والفئات، والطوائف، والعائلات؟ كما نتساءل: لماذا تراجعت مخرجات التعليم؟ ولماذا سيطر الخطاب الديني الشكلي على المجتمع؟ وكيف يساهم هذا الخطاب في عدم تحويل الكويت لمركز مالي وتجاري وسياحي؟ كما نتساءل أيضاً إن كانت هناك نقاط وسط يمكن للبلاد أن تتفق عليها فتصل إلى حلول جديدة ومبتكرة لمشكلات قديمة؟ تبقى التساؤلات مع الوضع الجديد الذي يبقى حتى الآن صعباً ومأزوماً.