د. شفيق ناظم الغبرا

بعد الانتخابات في الكويت

كيفما نظرنا من حولنا في العالم العربي نجد عوالم انتقالية شديدة التأزم تسودها حال من الحدة في صراعاتها. كيفما نظرنا نجد دولاً ضمن الدول ودولاً توسعية حول الدول ودولاً تخاف من شعوبها ودولاً تخشى من يومها الثاني ومن ليلها، ونجد في الوقت نفسه شعوباً تشعر بالإحباط وأخرى بالتهديد وثالثة بالتهميش. في الكويت حال خاصة من بين العرب، ففيها دولة أقرب إلى دولة القانون والمؤسسات، وفيها حريات يندر أن نجدها في دول عربية أخرى، وفيها دستور قلما نجد مثيلاً له في الدول العربية في طريقة كتابته وطريقة تفسيره، وفيها قيادة سياسية أجمع سكان البلاد على شرعيتها إبان واحدة من أحلك الظروف: احتلال عام 1990. إن مشاعر الذاكرة والولاء تبرز في الكويت إلى العلن في الظروف الخاصة، كما حصل مع غياب الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح (طيب الله ثراه) منذ أيام. 
إذاً في الكويت حال خاصة، رغم ما يبدو أنها أزمة سياسية فيها. ولكن كم من حال خاصة تراجعت أمام تحديات التقدم وإثبات النفس. هنا يكمن التحدي الأكبر أمام الديموقراطية الكويتية في علاقتها بالبيئة العربية المحيطة، خصوصاً بالنسبة إلى ما وقع في لبنان في الأسبوعين الأخيرين.
بحصول الانتخابات الكويتية، وبفوز من فازوا وفق انتخابات هي الأصعب في تاريخ الكويت السياسي، يصعب أن نتجاوز حقيقة رئيسية: الكويت تدخل مرحلة جديدة وحالاً جديدة وحياة سياسية جديدة سوف تحددها الخيارات التي ستمارسها الغالبية النيابية والتشكيلة الحكومية الجديدة. لذا، فالتحدي الأهم أمام الحكومة يتلخص في مقدرة رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد على الاستمرار بالزخم ذاته الذي سارت عليه حكومته في الشهور القليلة الماضية، وهذا لا يعني أن كل قرار أخذته كان صائباً، ولكن في الوقت نفسه استطاعت حكومته في المرحلة الأخيرة إشعار الناس بمدى جديتها وبمقدرتها على صنع القرار اليومي للبلاد. لهذا، فالتحدي الأكبر في تطوير هذا النهج وتأطيره ليتحول إلى برنامج حقيقي يكون الهدف الرئيسي منه تحويل بنية البلاد القانونية والاقتصادية بحيث تتحول نحو الانفتاح الاقتصادي الداخلي والخارجي. إن السير بطريق المركز المالي والتجاري يتطلب فرق عمل، ونمطاً جديداً في العمل الحكومي، وترتيبات على كل صعيد تصب في رفع قدرات الموظفين الحكوميين وفي إصلاح الإدارات الحكومية، وفي الانطلاق نحو تقوية دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات لكل السكان والمواطنين.
ولكن من جهة أخرى سيكون لزاماً على مجلس الأمة أن يتحرك بصوت هادئ وبروح تنموية بهدف التعاون مع الحكومة. لكن التعاون يجب ألا يعني الاستسلام للحكومة بكل خطأ تمارسه، ولا يجب أن يعني الموافقة على كل قرار يصدر عنها، بل يجب أن يعني مساعدتها في تحقيق أهم أهدافها الاقتصادية ومحاسبتها على مدى اقترابها أو ابتعادها من تحقيق هذه الأهداف. هذا يعني أهمية وجود أولويات لمجلس الأمة أهم بند فيها سياسة تجنب المعارك الجانبية في ظل تركيز كبير على ما يساعد الدولة في التحول من اقتصاد يعتمد على النفط بنسبة 90 في المئة إلى اقتصاد متنوع وتنمية مستدامة. إن شعارات الأمس لن تكون مفيدة لليوم، ومعارك الأمس لن تكون مفيدة لاحتياجات الغد. علينا أن نرتقي في أولوياتنا وفي خياراتنا وإلا عدنا بخفي حنين حيث كنا قبل الانتخابات.
خيارات الكويت الأساسية ستحدد المستقبل، فحق الاختيار حق فردي وجماعي، وبإمكان الكويت أن تختار الطريق الذي تريد. ولكن الطريق الأصعب هو دائماً الطريق الذي لم نسلكه ولم نجربه ولم نحاول اكتشافه. إن طريق التطور الحقيقي والبناء هو جوهر الموضوع. التحدي الأهم يكمن في طبيعة التشكيل الحكومي والخطط الحكومية، وفي طبيعة التشكيلات والخطط والتوجهات البرلمانية في المرحلة المقبلة.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *