واحدة من أكبر المخاوف التي تواجه القطاع الخاص والأنظمة السياسية ذات البعد الرأسمالي في العالم حصول ردة فعل شعبية على سياساتها مما يهدد بالإطاحة بالكثير من التطورات التي جاءت مع العولمة المتحركة بقوة القطاع الخاص. ما وقع في العالم العربي في الخمسينات والستينات يجب أن يبقى في الذاكرة. فقد قامت قوى شعبية من الضباط الأحرار مدعومة من قطاعات كبيرة من الفئات الاقتصادية الوسطى والدنيا من المجتمع بالانقلاب على الأنظمة السياسية القائمة، وذلك بسبب ما اعتبر في حينه تفشي الفساد وقيام ملاك الأراضي والمصانع والمؤسسات بخسارة الشارع والمجتمع في ظل البحث عن الربح السريع في كل عمل. هكذا سقطت دول مثل مصر والعراق وليبيا وسورية ضحايا لتلك الحالة من ردة الفعل. لم يكن ذلك الأمر مقصوراً على الدول العربية، بل انتشر لدول شتى في العالم من كوبا إلى أوروبا الشرقية ومن آسيا إلى أفريقيا، مما هدد النظام الرأسمالي برمته وحاصره في مناطق محددة في العالم. متابعة قراءة انعكاسات ردود الفعل على الرأسمالية في ظل العولمة
اليوم: 7 مايو، 2008
دواوين وبروتوكولات وإتيكيت
في رثاء الجهراوي عبدالله العجمي
سأرثيك يا عبدالله كما لم ارث احدا من قبلك ولن ارثي احدا مثلك، ومن بعدك. سأرثيك لأنك تركت وراءك اما ثكلى وابا مفجوعا، وارملة باكية ورضيعة يتيمة! وسأرثي فيك من مات من رفاقك قبلك ومعك ومن بعدك، سأرثيك بالرغم من انني لم التق بك ولا اعرف من تكون، سأرثيك لأنك قتلت وغادرت هذه الدنيا دون ان تعرف حقيقة الذين زينوا لك تفجير نفسك، لقد ارسلوك للموصل ليذهبوا هم الى الانتخابات وليتصدروا المجالس.
قتلت غيرك وقتلت، وكان من الممكن ان تكون انسانا آخر، محبا للحياة كمواطنك الجهراوي الاخر وابن قبيلتك الذي اختار ان يكون طبيبا بدلا من ان يكون ارهابيا، ان يكون واهبا للحياة بدلا من ان يكون سالبا لها.
اني ارثيك يا عبدالله لانني اود ان ارثي قلة الحيلة والعقل بيننا، فقد مت لان احدهم اراد لك ذلك، فالقرار لم يكن قراراك، وبالتالي لا ألومك على ما فعلت بالرغم من شر افعالك التي تسببت في فواجع وآلام لا تنسى لاهلك وبيتك ووطنك، واهل ووطن من قتلت.. انني لا الومك، بل الوم من يلومك، فما انت الا ضحية مجتمع أهّلك لهذا الهدف ودفع بك الى طريق الارهاب من خلال كل تلك الجمعيات التخريبية ومدارس التحفيظ التي انتشرت كالفطر البري في بيئتك، بعد ان غيبوا مدارس الفهم ومعاهد الفكر من حولك.
نعم ان مجتمعك هو المجرم الحقيقي، وهو الذي شيد بيني وبينك، انا الشرقاوي وانت الجهراوي، ذلك الجدار العازل لكي لا نلتقي، وانا الذي حذرك رجال الدين من شرور أفكاري، وحذرني منك ومن تخلف مواقفك وسوء افعالك، نعم اني ادين هذا المجتمع الذي ملأ مدينتك بالحفر، وتناساك لعقود طويلة وتركك فريسة سهلة للخطير من الآراء والقاتل من الافكار والبائس من المواقف، فاصبحت طوع بنان مدعي التدين والصلاح والاصلاح والسلف والتراث، وبالتالي أنسوك مستقبلك ووطنك وتقدمك وتطورك، فتركت كل ذلك من اجل اوهام لو كانت حقيقية لسبقوك للفوز بها.
نعم ادين هذا المجتمع، وحكوماته المتعاقبة، عدم اهتمامهم بك وبصحتك وتعليمك وسلامة عقلك، بحيث اقنعتك اقوالهم ان بإمكان جسدك الضئيل محاربة «اعداء الله» والفوز بحور العين من خلال التصدي لاعتى ترسانات اسلحة العالم في افغانستان والشيشان، وانت الذي ربما لم تسمع بأفغانستان من قبل، ولم تعرف يوما اين تقع الشيشان.
ارثيك يا عبدالله لأنهم اختاروا ان يصوروا عودتك من سجنك البغيض كعودة الابطال من معركة عظيمة، ارثيك يا عبدالله لانهم اعادوك لوطن انسوك حقه عليك ووفروا لك طائرة خاصة لكي يبقوا على «ايمانك» بأن ما قمت به كان صوابا وحقا وشرفا لا يضاهى!
نعم اعادوا تشكيلك بطلا منافحا عن قيمهم وافكارهم ومعتقداتهم، التي تتفق تماما مع مصالحهم المادية والدنيوية، ولو كانوا يؤمنون حقا بأن الآخرة خير وابقى لما وجدتهم من حولك، وهم الذين بلغوا ارذل العمر!
نعم ارثيك يا عبدالله، لان الوطن فقد فيك وفي زملائك، مواطنين كانوا من الممكن ان يكونوا اصدقاء لي ومحبين لابنائي وقريبين من اهلي، كما هي حال الكثير من اهل منطقتك وقبيلتك.
لقد فقدت فيك جارا محتملا وشريكا في مصلحة وقارئا لزاوية لولا غلبة آراء ذلك المتشح بعباءة الدين، ذلك المتخلف الحقود، الذي زين لك كرهي ورفضي وحتى طلب فنائي، ودفعك لأن تموت رخيصا من اجل هدف لا يعرف احد اوله ولا آخره.
نعم ارثيك يا عبدالله كما لم ارث احدا قبلك، ولن ارثي احدا بعدك، لكونك ضحية قبل ان تكون مجرما، ومواطنا قبل ان تكون ارهابيا وزوجا صالحا قبل ان تكون قاتلا وابا حنونا قبل ان تكون سفاحا.
انني ارثيك لأن موتك بيّـن مدى ضحالة فكرنا، وهوان حالنا وقلة حيلتنا عندما نقف عاجزين عن تطويع نصوصنا واقوال حكمائنا لأن تكون في خدمتنا كبشر عليين، بدلا من تسخيرها لكي تكون سببا في شقائنا وشقاء الآخرين.
انني ارثيكم جميعا لأن لا احد تعلم او يود ان يتعلم من درس موتكم شيئا، فقد متم ومات قبلك الكثيرون وسيموت من بعدكم الاكثر، وسيستمر المصنع الذي شكل فكركم في الانتاج ما بقي التخلف بيننا، فمتى يتوقف كل هذا الضلال في الموقف والقول؟ ومتى يضمحل الكره ويختفي الحقد من حياتنا؟ لست ادري.
لدي الكثير لأقوله في رثاء عبدالله العجمي ورفاقه، ولكن للاكتفاء ايضا فضائله.
أحمد الصراف
[email protected]