إن سعي القبائل نحو الانتخابات الفرعية فيه الكثير من التصميم، وهناك في المقابل تصميم على منع هذه الانتخابات الفرعية بالقوة من قبل الحكومة. إن ما يقع فيه إشكالات كثيرة. فكيف يتم منع تجمع هدفه التنسيق بين الناس على كيفية التصويت وكيفية الإدلاء بالأصوات؟ كنت أتوقع بطبيعة الحال منع تجمع هدفه تخريب صناديق الاقتراع أو منع تجمع هدفه منع التصويت ووصول الناخبين لصناديق الاقتراع. لهذا فإن منع تجمع، لأبناء القبائل، هدفه السعي للانتخابات والاتفاق على أصوات وليس لبناء متاريس، يمهد للكثير من الغضب في الكويت. إن نفي رابطة القبيلة لا يعني اختفاءها، وأخذ قرار المنع بالقوة لا يكفي لتحجيمها، كما أن القبائل تعتبر ذلك تعديا عليها مما يزيد من تمسكها بالقبيلة والفرعيات. في هذا يجب البحث عن طرق وأراء جديدة في التعاطي مع القبيلة والسياسة والانتخابات في الكويت. أين المطبخ السياسي للدولة الذي يفكر في الاستراتيجية وفي كيفية التعامل مع الظواهر الاجتماعية والانتخابية؟ من الواضح أن هناك غيابا في الاستراتيجية وتعاملاً آنيا مع ردات فعل سريعة. لكن هذه وصفة لمزيد من التخريب في العلاقات بين مكونات المجتمع الكويتي. تحت كل الظروف يجب عدم تحويل أبناء القبائل إلى القضاء بسبب الفرعيات. إن منع الفرعيات بالقوة قد ساهم في تقوية القبلية في الكويت، فما يقع مع القبائل هذه الأيام يساهم في الاستفزاز والغضب والضيق وردة الفعل القريبة والبعيدة الأمد. سوف يؤثر كل هذا في صناديق الاقتراع ويأتي إلينا بنواب أكثر سخطا على الحكومة؟
إن الانتخابات الفرعية لا تتناقض وجوهر الديموقراطية، التي تسعى لإشراك أكبر كتلة ممكنة من الناس وتسمح لها بالتنظيم والترتيب للوصول إلى صناديق الاقتراع، وهذا يختلف عن شراء الاصوات التي تمثل ظاهرة فساد. بالمحصلة… الانتخابات الفرعية تتم بناء على رابطة القبيلة، أما في حالة التيارات السياسية فيتم التنسيق بناء على رابطة الأيديولوجية، وفي حالة جمعيات النفع العام وجمعيات مهنية عديدة يتم التنسيق على دعم هذا المرشح أو ذاك بناء على رابطة الجمعية، وفي حالة المواطنين في البلاد يتم التنسيق بأشكال مختلفة من أجل التصويت. لهذا لم يتوقف الأمر على أبناء القبائل ليتم منع آلية تنسيقهم، بهذه الطريقة السلبية وغير ديموقراطية، فالانتخابات الفرعية ليست جريمة بالمعنى المطلق، ذلك أن القانون الذي جرمها لم يأخذ بعين الاعتبار طرق التعامل السياسي من قبل بقية الأطراف في ظل غياب قانون شامل للأحزاب. أليست الانتخابات الفرعية مثل الانتخابات التمهيدية التي تقوم بها الأحزاب في الكثير من دول العالم؟ ماذا عن الانتخابات التمهيدية للـ «الحزب الديموقراطي» و«الجمهوري» في الولايات المتحدة؟
من جهة أخرى، على المؤسسات في البلاد أن تخرج عن سياسة التمييز وذلك لتتوفر الفرص للانتماء للوطن الأكبر، وللانتماء لمدرسة التنمية، بغض النظر عن الانتماء العائلي أو الطائفي أو القبلي أو السياسي أو الإنساني. القبيلة لن تختفي بقرار، والقبيلة لن تتغير بيوم. كما أن القبيلة اليوم هي نتاج سياسة تشجيع من قبل الدولة على أصعدة سياسية واجتماعية. لهذا فاستراتيجية التعامل مع القبيلة يجب أن تنضوي تحت لواء يرفع شعار الكفاءة في الكويت، وتحت لواء مشروع التنمية، وتحويل الكويت من سياسة الصرف الحكومي إلى سياسة الإنتاج المجتمعي. ولتحقيق هذا تحتاج البلاد للكثير من التغيير: في التعليم، في الاقتصاد، في السياسة، في الفلسفة العامة للبلاد وفي الهياكل والمؤسسات الحكومية والأجهزة والقوانين. إن القبيلة، كما والعائلة، كما والطائفة، لا تواجه بصفتها آفة من آفات المجتمع. بل يمكن مواجهتها بالاعتراف بها كحق من حقوق المجتمع وأفراده في الاختيار وذلك في ظل سياسة تشجع، ولا تفرض بالقوة، المواطنين على الارتقاء نحو القيم الوطنية الأكبر.