ان تعايش التشاؤم مع التفاؤل أمر نلمسه مع الكثيرين في هذه الحملة الانتخابية. فوجود حالة تفاؤل بإمكانيات المستقبل مقرونة مع حالة تشاؤم بإمكانية إيجاد حلول مباشرة لما يمكن أن تفرزه التشكيلة الحكومية ولما يمكن أن تفرزه التشكيلة البرلمانية يمثل حال البلاد في هذه المرحلة الانتقالية المليئة بالضبابية. ومن الطبيعي أن تقع حالة وسطى في ظل أجواء ليست في جلها واضحة المعالم. فهذه أول انتخابات وفق الدوائر الخمس، وبالنسبة للمرشحين: الدوائر الخمس مخلوف جديد يصعب التنبؤ بالكثير من التفاصيل والمفاتيح التي تتحكم به. ذلك أنه للمرة الأولى سيتحدث من يرشح نفسه في الدائرة الأولى للتجمعات السكانية المختلفة في ميولها وتصوراتها، شيعة وسنة، المرشح أو المرشحة لن يفوزا إن لم يجيدا التحدث مع توجهات وخلفيات مختلفة. كما سيجد المرشح في الدائرة الثانية أنه يتحدث لسكان الصليبخات ذات الأصول القبيلة ولسكان الضاحية والشامية ذوي الجذور العائلية، وفي هذا سيجد أنه من الضروري أن يبدع خطابا قادرا على حشد تأييد الاثنين لصالحه. كما سيواجه المرشح التحدي في التعامل مع الاختلاف في الميول الدينية والميول السياسية في كل دائرة، وينطبق الأمر ذاته على الدوائر الأخرى: ففي كل دائرة حشد من القبائل وتجمعات مختلفة تتطلب في الأساس خطابا وطنيا.
في ظل التجربة الجديدة تعيش البلاد يوما متفائلاً وآخر أقل تفاؤلاً، يوم يذكر فيه الناس أنفسهم بحدة الانقسام الكويتي وضعف الأداء السياسي وانعكاس كل هذا على صنع القرار، بينما في يوم آخر يذكر كل مرشح ومواطن نفسه بنجاحات الكويت في السابق وإمكانية أن تكون كويت الأمس هي أيضا كويت المستقبل. إن التفاؤل بوضع الكويت يأتي من وضع الكويت المالي، ووضعها النفطي، وربما تاريخها الذي يخلو من العنف ويتعزز بالشرعية. ولكن ربما يأتي التشاؤم من طبيعة الأزمة التي استمرت عاما بعد العام مؤكدة على أن هناك مشكلة عميقة تقع اليوم في الكويت في العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين مكونات المجتمع المختلفة.
إن الأهم في الحملة الانتخابية الراهنة أنه على المرشح أم المرشحة في كل دائرة التركيز على ما يجمع بين الناس وليس ما يفرقهم، والتركيز على أمور ترتقي للمستوى الوطني: إذ تكاد تكون كل دائرة صورة مصغرة للكويت الأكبر. وفي هذا فان كل مرشح مضطر لأن يرتقي في اطروحاته وفي مطالبه وتصوراته: إذ يجب أن يمتلك برنامجا وطنيا على الصعيدين الاقتصادي والسياسي في ظل مشروع متطور للبلاد. هكذا يمكن القول بأن الدوائر الخمس هي في جانب منها تشجيع للمشروع الوطني الأوسع وتشجيع لمشروع بناء الدولة وليس العكس. فإن كانت الدوائر الخمس والعشرون مشروع تفتيت فإن الدوائر الخمس مشروع توحيد.
وتسير الكويت حتما باتجاه انفتاح ديموقراطي داخلي، وهي بالتالي ليست في مرحلة اغلاق ملف الديموقراطية بل على العكس ان التوسع في هامش الديموقراطية في البلاد هو التطور الطبيعي على الرغم من الصعوبات وبعض المصادمات والاختلافات وربما الانتكاسات المتوقعة. فالديموقراطية لا تأتي بيسر وسهولة، وهي عندما تتطور تتحكم في تطوراتها تجارب مختلفة. ولكن الديموقراطية في الجوهر وسيلة لتمكين من لا صوت لهم ولتمكين المجتمع وفئاته على أوسع نطاق وفق أسس وقواعد. وهي بطبيعة الحال تتناقض مع النخبوية السياسية التي سادت البشرية على مدى التاريخ. لهذا فان الانفتاح الديموقراطي يخيف البعض، ولكنه حتمي ويجب التعامل معه بحكمة وبطريقة تصب في تنمية البلاد كما حصل في مجتمعات العالم. ان الشعارات المطروحة الآن في الحملة تؤكد التمسك بدستور الكويت وبالحريات، إذ اصبحت جزءاً لا يتجزأ من الطرح العلني للمرشحين في البلاد.
لقد أصبح الشأن السياسي في الكويت شأنا عاما، وأصبح شأن الحكومة هو الآخر شأن كل مواطن. في هذا فأن شعبية السياسة في الكويت أمر لم يعد بالإمكان تقليصه. فالسياسة في الكويت لا تصاغ في السر أم في الأطر الضيقة إلا ضمن قواعد دستورية واضحة. السياسة في الكويت أصبحت على كل لسان… في كل ديوانية وعند كل منعطف. وفي هذا بالتحديد فإن الكويت ليست خارج العصر الذي نمر به، وهو عصر يتميز بالفردية والحريات وانتشار الإعلام المفتوح وشعبية السياسة وتشكيل الأحزاب.