هل صحيح أن تاريخ منطقتنا يعيد تكرار ذاته مرة كل عشرة أعوام. عبد الناصر في الخسمينات والستينات تحوّل إلى بطل العالم العربي وعوالم عدم الانحياز إلى أن وقع في مصيدة الحرب والتكتيك الدولي، وانتهى مع هزيمة العام 1967، وبالطريقة نفسها تحوّلت المقاومة الفلسطينية إلى قوة كبرى في العالم العربي امتدت بعد حرب عام 1967 من عمان إلى بيروت طوال السبعينات، بينما كانت تحرك الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج. ولكن الظروف هي الأخرى تحركت فأنتجت حرباً أهلية في الأردن، وأخرى في لبنان، وحروباً إسرائيلية – فلسطينية لا حد لها، مما أدى إلى ضرب المقاومة الفلسطينية كظاهرة عربية وحوّلها إلى ظاهرة محاصرة تعاني من انشقاق وتكافح ليومها بصعوبة. من جهة أخرى برز صدام حسين في العالم العربي في الثمانينات، وأصبح بين يوم وليلة حارس البوابة الشرقية: فتح الحرب على إيران وتحرك بعد ذلك إلى احتلال الكويت. ولكنه هو الآخر واجه مقاومة لتوجهاته، وواجه رفضاً لخططه، وانتهى في حصار وعقوبات امتدت لأكثر من عقد قبل أن تتقدم القوات الأميركية لتحتل بغداد وتزيحه عن حكمه. السؤال الآن: هل أصبحت إيران وريثة عبد الناصر، ووريثة المقاومة ووريثة صدام؟ كيف سيتم التعامل مع إيران من قبل صناع القرار الدوليين، خصوصاً الولايات المتحدة؟ وهذا يقودنا إلى السؤال التالي: هل احتمالات الحرب قائمة إبان شهور أم عام أم عامين؟ متابعة قراءة إيران… في الإطار العام لحرب مقبلة؟
الشهر: مارس 2008 
الساحر الذي رحل
فقدت الكويت برحيل الزميل والصديق د.أحمد الربعي جزءا من حكمتها فقد كان أبوقتيبة – رحمه الله – براغماتيا من الطراز الأول لا يكل ولا يمل من الدعوة للحوار والقبول بالرأي الآخر واخذ الأمور بمأخذ حسن، كما كان دائم الترويج للتفاؤل والإيمان بالمستقبل المشرق للكويت.
ويحسب لأبوقتيبة – رحمه الله – عدم تردده في الاعتراف بالخطأ متى ما حدث ومن ذلك تكراره القول إنه سعيد لعدم نجاح الثورة الماركسية التي انضم لها في ظفار في مقتبل حياته ومعروف ان الاعتراف بالخطأ هو إحدى خصال الرجال الكبار وقد كان الربعي واحدا منهم.
كما تميز د.الربعي بتواصله مع الناس جميعا وعدم مبادلة الإساءة بالإساءة، لذا لم يعرف عنه الرد قط على من يتعرض له بالقول أو المقال ولذا أحبه الأعداء قبل الأصدقاء والتقى على وده جميع ألوان الطيف السياسي والاجتماعي الكويتي وتلك نعمة – لمن يعلم – ما بعدها نعمة.
وقد كانت أروع ساعات أبوقتيبة وأجلها قاطبة عندما تصدى في حقبة ما بعد 91 لفيالق الإعلام الصدامي التي تروّج الوهم وتسوّق العدم فهزمها في كل أرض معركة فضائية أو صحافية التقاها مستغلا عقله وفكره وثقافته العالية مما جعله يحصد ثناء وحب الكويت قاطبة من حكام ومحكومين.
وقد امتلك الراحل الكبير شبكة علاقات واتصالات واسعة تمتد من الخليج الى المحيط وقد زاملته في أكثر من سفرة كما شاركته في أكثر من لقاء إعلامي وكانت ملاحظاتي له – رحمه الله – انه بحاجة لتقليل تلك الاتصالات التي كانت تجعل هاتفه النقال دائما في يده وكنت أذكره بأن الأخبار التي يلاحقها بشكل شخصي عبر الهاتف ستعلن بعد وقت قصير للجميع فليوفر على ذهنه وعقله تلك الملاحقات المرهقة.
كما كان – رحمه الله – شديد الحركة لا يمنح نفسه أو عقله الراحة اللازمة خاصة قبل اللقاءات الإعلامية بل يبدأ يومه منذ الصباح الباكر ويظل مستمرا في العمل دون انقطاع حتي موعد تلك اللقاءات الإعلامية الليلية التي يتجلى بها، ولا يعلم أحد من مشاهديه ومحبيه مقدار الإرهاق والتعب والضغط الذهني الذي يقاسيه لأجل إتمام تلك اللقاءات، رحم الله فارس الكويت وساحرها د.أحمد الربعي وغفر له وأسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا لله راجعون.
آخر محطة:
حال سفري منذ مدة دون اطلاعي وتأبيني لفارس آخر من فرسان الكويت هو العم المرحوم عبدالمحسن الزبن، فللفقيد الرحمة والمغفرة ولآله وذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.
الفريق والفريق الأول
كان السيد جاسم القطامي، أول مدير عام للإدارة العامة للأمن العام، التي أصبحت بعد ذلك وزارة الداخلية، أكثر «وكلاء الداخلية» وضوحاً وحزماً، وصاحب موقف. وكذلك السيد عبداللطيف الثويني، أطول من خدم في تلك الوظيفة الحساسة، وكان ذكياً وصاحب ذاكرة قوية. أما السيد يوسف الخرافي فقد كان الأكثر غموضاً وقوة خفية. أما الأقل كفاءة فقد كان، برأينا، الوكيل السابق، الفريق الأول ناصر العثمان، الذي تقاعد قبل أيام. ففي عهده لم يتقدم أداء وزارة الداخلية كثيراً، إن لم يتقدم كثيراً على الرغم من كل ما صرف على الأمن والأجهزة الأمنية من مال، وعلى الرغم من كل ما طرأ على الوسائل والطرق الأمنية من تطور كبير. ولو نظرنا مثلاً الى خدمة النجدة أو الثلاث سبعات، وهي الأكثر أهمية والأكثر قابلية وسهولة للتطوير، لوجدنا أن لا شيء تحسن في هذه الخدمة خلال عهد الوكيل السابق على الرغم من كم الشكاوى التي وردت على تلك الخدمة. ولو نظرنا للمشكلة المرورية كمثال آخر، وهي أكثر تعقيداً، لوجدنا أن وضع المرور في الكويت أصبح مأساوياً وفي تردٍ مستمر.
ومسؤولية المرور ليست فقط من اختصاص مدير عام الإدارة العامة للمرور، بقدر ما هي مسؤولية رئيس المجلس الأعلى للمرور، الذي شغله لسنوات عدة الوكيل السابق، الفريق الأول المتقاعد العثمان.
في الكلمة التي ألقاها الفريق «أحمد الرجيب» وكيل وزارة الداخلية الجديد، عقب توليه مهام منصبه، في أول لقاء له بقيادات الوزارة والمديرين العامين ومساعديهم، أكد ضرورة عودة هيبة رجل الأمن التي تأثرت كثيراً لأسباب عدة (!!). وقال إن التسيب والإحباط لهما أسبابهما أيضاً ويجب معرفة ذلك ووضع الحلول المناسبة للقضاء على التسيب (!!) وقال إن من الضروري تكريم المجد، وعدم تأجيل ذلك (!!) وانه ليس هناك مكان للمتقاعسين في الوزارة (!!).
وعلى الرغم من إشادة الوكيل الجديد بسلفه، فان من الواضح والمنطقي الاستنتاج، أن ما أصبحت تتصف به إدارات عمل وزارة الداخلية من تسيب وما أصاب العاملين المخلصين فيها من إحباط للوكيل السابق دور سلبي فيه. ففي عهده الوظيفي، الطويل نسبياً، تخلفت أجهزة وزارة الداخلية بشكل كبير. كما لا يمكن إخلاء مسؤوليته، كما قلنا، عما يعانيه الكثير من إدارات الوزارة من تخلف واضح.
لنا أمل كبير أن تتقدم أوضاع وزارة الداخلية في عهد الوكيل الجديد إلى الأحسن، وقد رأينا أول الغيث قبل أيام عندما قام مدير عام الإدارة العامة للتحقيقات بزيارة مفاجئة لعدة مخافر في منطقة الجهراء، ليكتشف هناك غياب كامل طاقم التحقيق من ثلاثة مخافر، الأمر الذي دعاه لتحويل المحققين الغائبين لـ «التحقيق»!!
كما نتمنى للوكيل، الذي لم يسبق أن التقينا به، التوفيق في عمله وجعل الكويت بلداً آمناً، أو قريباً من ذلك. ونشكره على قراره الأخير المتعلق بمنع رجال الأمن من ارتداء ملابسهم الرسمية خارج أوقات الدوام!! نقول ذلك ولا نعلم الآلية التي سيتم بها تنفيذ هذا القرار، مع غياب الشرطة العسكرية. فهل مطلوب من موظفي الدولة مثلاً الامتناع عن خدمة ضابط، أو عسكري يقوم بتخليص معاملته وهو بزيه الرسمي؟ وما دورنا نحن كمواطنين لو شاهدنا عسكرياً يقوم بإيقاف سيارة الدورية في مكان مخالف لشراء سندويشة فلافل؟ وهل مطلوب منا الإبلاغ عمن يقوم بارتداء ملابس العسكرية الرسمية خارج أوقات الدوام الرسمي، وكيف يتم ذلك؟
أحمد الصراف
من أم بدر… كلمات تقطع القلب؟!
هي لاتزال في انتظار الغائب… مر على اختفاء وليدها نحو 8 أشهر، منذ تلك الظهيرة الحارقة من صيف يوليو/ تموز من العام الماضي 2007… كان يوم الثلثاء العاشر منه، هو يوم حزين كئيب… ليس لأم بدر وحدها، بل لكل أم في البحرين، ولا أبالغ حينما أقول، إنه كان يوما “مفجعا” لكل إنسان سمع بقصة اختفاء الطفل ذي السنوات الثلاث في ظروف غامضة لا يعلم سرها إلا الله سبحانه وتعالى.
في داخلها، شعور لا يمكن أن تكذبه، فهي تشعر به حيا يرزق… فقلب الأم دليلها! مكامن إحساس الأمومة في روحها تبلغها بأن الصغير الذي غادر حضنها، سيعود إليه يوما ما… عسى ألا يطول الانتظار، وعسى يوم العودة قريبا!
لسان حال الأم يجيب على السؤال التائه الحائر: “هل لاتزالين تعتقدين بأنه على قيد الحياة؟”، لتجيب: “وهل عثروا عليه ميتا حتى أفقد الأمل وأكذب إحساسي؟”.
ثمانية أشهر بلياليها المرهقة المتعبة القاتلة، وأيامها الثقيلة الموحشة الباكية، كفيلة بأن تذيب الصبر، لكن صبرها كونها أما لم يتصدع… وماذا بعد، ألا يتصدع قلب الأم؟ بلى، هذه الأم التي ليست كأم الطفلة المفقودة فاطمة، التي اختفت في شهر فبراير/ شباط من العام 2001… فأم فاطمة ليست موجودة وإلا تكررت مأساة الوالدتين، ولربما التقتا معا لتشد كل منهما أزر الأخرى… أم بدر تصدع قلبها، وكان الله في عونها… فهي الآن، على فراش المرض، ودخلت المستشفى لإجراء عملية في القلب.
منذ اختفاء الطفل، عكس التضامن الأهلي صورة جميلة من أجمل صور المحبة في المجتمع البحريني الذي بدأ يعاني من التشظي المرير والمؤسف!
فهذا الحادث المحزن، جمع المواطنين من الطائفتين الكريمتين في حالة إنسانية رائعة هي الصورة الحقيقية للمجتمع البحريني التي لن تؤثر عليها حالات “التشظي” تلك، وحتى اليوم، لايزال هذا التواصل مستمرا مع والدة الطفل وأسرته، وإن قل كثيرا عما كان عليه في السابق، لكن لايزال من الجيران ومن المواطنين من يتواصل مع الأسرة ليتابع احتياجاتها ويصبر الوالدة ويأخذ بخاطرها.
أم بدر، وهي على فراش المرض، تريد أن يعيش الناس، كل الناس، معها على أمل عودة الغائب… هي تشعر بأن وليدها على قيد الحياة، ولعله يكون عند أحدهم، لذلك هي ترسل رسالتها الحزينة: “نظرة عطف إلى حالي كوني أما فقدت طفلها… من يعرف أين فأرجوه يخبرني… من أخذ طفلي فليعده إليّ… سأسامح من حرمني منه ولكن فليعده إليّ… أعلم أنه حي، ولو تيقنت من أنه غادر هذا الدنيا، سأسلم أمري إلى الله، لكنني أنتظر عودته”.
هذه هي رسالة الطفل الغائب بدر من والدته، نوصلها إلى كل مواطن ومقيم… فعملية البحث مازالت مستمرة من جانب الفريق الأمني الذي تعجز الأسرة عن توجيه الشكر له وللمسئولين في وزارة الداخلية الذين هم في تواصل مستمر كما يقول ابنها محمد، وهو يعجز أيضا عن شكر كل المواطنين والمقيمين الذين بذلوا ما في وسعهم للبحث عن أخيه الصغير، بدءا من أهالي قرية سماهيج وقلالي والدير، وجميع أهالي المحرق، وعموم أهل البحرين، لكن يوصيهم بألا ينسوا والدته التي عانت الكثير حتى أرهقها المرض، وألا يتردد أي شخص عن تقديم أية معلومة مهما كانت لأنها قد تنفع الفريق الأمني المكلف بالبحث، فالأمل موجود لديه بأن أخاه على قيد الحياة، ونسيان القضية أو إهمالها من جانب المواطنين والمقيمين سيلقي بها في طي النسيان.
كنت وأحمد
كلهم مروا من هنا واختفوا، تبددوا، تلاشوا… القليل منهم لا يزال باقيا، قليل جدا، أنت أحد «القليل».
أحمد الربعي، دعني أنقل لك ما حدث في غيابك: رسائل التعازي التي تزاحمت في هواتفنا لم تترك لنا فرصة الرد عليها لكثرتها. كانت كثيرة رسائل تعازيك، أكثر مما تظن… أبناء وبنات الصحافة يبادرون بعضهم البعض: «عظم الله أجرك». سألت أحدهم: تعرفه؟ فأجاب: عز المعرفة، بل وأحبه، صحيح أنني لم ألقه وجها لوجه، لكنني أعرفه وأحبه… ليست الصحافة وحدها من رثاك، الدواوين التي لطالما تحدثت عنك… كذلك. متابعة قراءة كنت وأحمد
لنصبح أحسن منهم
كل مرة أعتقد فيها أنني أصبحت أقرب لإنسانيتي وأكثر تسامحاً ومحبة للآخر، اكتشف بعدها بلحظات مدى بعدي عن هذا الهدف، وحاجتي لأن أتعلم أكثر!
يقول جون (نقلا بتصرف عن الإنترنت) عندما كنت في سنتي الجامعية الثانية أعطانا الأستاذ المحاضر امتحاناً فجائياً احتوى على أسئلة عامة.
استعرضت ورقة الأسئلة فوجدت انها سهلة في غالبيتها، ولكن السؤال الأخير كان غريباً، لا بل ومضحكاً، فقد تعلق بالاسم الأول للسيدة التي تقوم بتنظيف المدرسة بعد خروجنا منها في نهاية اليوم!
لم أعر السؤال أهمية كبيرة، فقد سبق أن شاهدت تلك السيدة مرات عدة وهي تقوم بعملها. كانت طويلة ذات شعر أسود، وربما في الخمسين من عمرها، ولكني لم أكترث قط لمعرفة اسمها، وبالتالي تركت السؤال الأخير دون إجابة، قبل الخروج من القاعة سأل أحد الطلبة الأستاذ المحاضر عن مدى همية الإجابة عن ذلك السؤال الغريب فأجابه: انه حيوي وعلامته ستكون مؤثرة، وأهميته تنبع من أننا في حياتنا نقابل الكثير من البشر، ولجميع هؤلاء أهميتهم، ولكن لا نعير أيا منهم ما يستحقه من اهتمام أو احترام حتى ولو كان من خلال ابتسامة أو هزة رأس، أو حتى تحية «هللو»!
وختم «جون» قصته بالقول انه لم يأسف كثيراً لعدم نيله العلامة الكاملة التي كانت ستؤثر في معدله العام وتجلب له المنحة الدراسية المجانية، لأنه تعلم في ذلك اليوم درساً في الحياة والإنسانية لن ينساه أبداً!
أكتب هذه القصة القصيرة لأقول إن زوجتي وأنا، ومنذ أكثر من 30 عاماً، نستعين بمربية أو أكثر في المنزل. وكان غالبية من عملوا لدينا من الفلبينيين، حيث كان هؤلاء، من واقع تجربتنا الطويلة، أكثر أمانة في عملهم، وأكثر حرصاً في قضايا النظافة. كما أن سهولة التواصل معهم لغوياً، بسبب نظامهم التعليمي المميز نسبياً، رجحت كفتهم على غيرهم.
ولكن على الرغم من طول عملهم معنا، فإن أحداً منا لم يحاول يوماً أن يهتم، طوال هذه السنوات بتعلم شيء عن حياتهم أو ثقافتهم، أو حتى بضع كلمات من لغتهم الـ «تغالوغ»!! وقد شعرت بما يشبه الصدمة عندما اكتشفت ان شكراً تقال في لغتهم «سلامات»! فما أجمل هذه الكلمة وما أسهل حفظها، وما أغلظ قلبنا لعدم محاولتنا حتى معرفتها، وهذه خطيئة في حق هؤلاء!
دفعني هذا الجهل لتعلم بضع جمل أخرى شائعة الاستخدام كصباح الخير مثلاً، وكان لاستخدامي لها في البيت والنادي وأماكن أخرى الوقع الجميل على جميع من سمعها منهم، وكنت أرى ذلك من الابتسامات وعلامات الدهشة المرتسمة على وجوههم، وامتنانهم لقيامي بتحيتهم بلغتهم المحببة على قلوبهم.
للعلم: «ماغندانغ أوماغا» تعني صباح الخير. ومساء الخير تقال «ماغندان غابي»، وبعد ظهر سعيد تقال «ماغندانغ هابون» وكيف حالك تقال «كوموستاكا»، بالإضافة طبعاً إلى «سلامات» التي تعني شكراً.
ابدأ من اليوم في تعلم شيء عن حياة من يعملون معك أو لديك من هؤلاء، فلهم حق عليك، إنسانياً وثقافياً، ولنصبح ولو لمرة واحدة.. أحسن منهم!
أحمد الصراف
«ليتك طعت أمك»
الكويت بلد المعجزات. توقع فيها غير المتوقع… قبل أيام فوجئنا بمحامٍ يطل علينا من شباك إحدى القنوات الفضائية ليستدر عطفنا ويستجدي دموعنا، عندما تحدث عن الوطن والوطنية واستعداده لتحمل تكاليفها وتوصيلها للمطار مجانا. فتحدث كاسر الخواطر في ذلك المساء العاطر عن والدته (أطال الله عمرها) التي دخلت عليه في غرفته وهو يرتب أوراق حلقة تلفزيونية سيتطرق فيها لتأبين المجرم النافق عماد مغنية، وكيف أنها، وبمشاعر الأمومة، حاولت ثنيه عن الحديث في هذا الشأن خوفا عليه من القتل والسحل: «يا وليدي، عشان خاطري لا تدخل نفسك في هالأمور»، فرد عليها «الوطني» الأمّور المقدام الفرفور: «هذي الكويت يا يمّة، هذي ديرتي اللي أنا مستعد أفديها بدمّي، لازم أوضح للناس حقيقة المؤبنين، وحجم خطيئتهم بحق الكويت، هذولا خانوا الكويت يا يمّة»… حقيقة، لو كنت أنا مكان مخرج الحلقة لطلبت من المذيع – بعدما أنهى «وصلته» تلك – الغناء واقفا: وطني الكويت سلمت للمجد، وعلى جبينك طالع السعد. متابعة قراءة «ليتك طعت أمك»
الخميس الأول من كل شهر
نحن اليوم في الخميس الأول من شهر مارس، وما لا يعلمه أبناء الجيل الجديد ان خلال الثلاثين عاما الممتدة من أوائل الأربعينيات حتى أواخر الستينيات كان الخميس الأول من كل شهر هو الموعد الذي يتوحد فيه العرب قاطبة من الخليج حتى المحيط لسماع حفل أم كلثوم الذي يمتد من الساعة العاشرة حتى الثانية عشرة مساء، وقد قيل كرد فعل على «نكسة 1967» ان أحد أسبابها هو حفلات أم كلثوم التي ادعي انها «تسطل» الناس مما تسبب في هزيمتهم! والحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك حيث لم يمنع الاستماع والاستمتاع بالفن الراقي، كالذي تقدمه «ثومة».
مع بداية الأربعينيات تعاملت الآنسة أم كلثوم المعروفة بذكائها الشديد وحبها للتغيير مع شاعر الشعب بيرم التونسي والملحن الأزهري الشيخ زكريا أحمد اللذين ابتدعا نظام الأغنية الطويلة وحفلات أول الشهر فكانت أغاني «أنا في انتظارك 1943» و«الآهات 1943» و«حبيبي يسعد أوقاته 1943» و«الأولة في الغرام 1944» و«أهل الهوى 1944» و«الأمل 1946» و«حلم 1946» وفيما بعد، وبعد زعل 13 عاما، أغنية «هو صحيح الهوى غلاب 1960» لبيرم التونسي وزكريا أحمد.
مقابل غناء أم كلثوم أزجال أحمد رامي وبيرم التونسي الشعبية السهلة، اختص منافسها محمد عبدالوهاب «مطرب الملوك والأمراء» بغناء قصائد وأشعار أمير الشعراء أحمد شوقي وغيره، لذا قام رياض السنباطي بنقلة نوعية لأم كلثوم عام 1946م عبر تلحينه قصائد لشوقي ورامي وغيرهما مثل «سلوا قلبي» و«نهج البردة» و«هلت ليالي القمر» و«غلبت اصالح» ثم روائعه «ياللي كان يشجيك أنيني 1949» و«سهران لوحدي 1950» و«جددت حبك ليه 1952» وأكمل ذلك بقصائد عدة كـ «رباعيات الخيام» و«أراك عصي الدمع» ثم أجمل أغاني أم كلثوم على الإطلاق ونعني «الأطلال» للدكتور إبراهيم ناجي.
في أواخر الخمسينيات، وكما تذكر الباحثة د.سهير عبدالفتاح، شعرت أم كلثوم بشيخوخة صوتها كما غلب «الرتم» الواحد على أغلب أغانيها وحفلاتها، لذا اتجهت لجيل الشباب وطلبت من بليغ حمدي الذي كانت في منتصف العشرينيات ان يلحن لها أغنية شبابية فكانت أغنية «حب إيه» وقد لحن لها قبل ذلك بسنتين أغنية وطنية هي «إنا فدائيون» واتجهت بعد ذلك لمحمد الموجي وسيد مكاوي.
وكانت أم كلثوم ترفض الغناء لمطربين وملحنين مشهورين، أمثال محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش، كونها تعتقد ان نجاح أي أغنية يقومون بتلحينها سينسب لهم لا لها، إلا انها قامت في سهرة خاصة عام 1944 بتقديم أغنية من كلمات كامل الشناوي ولحنها محمد عبدالوهاب كان مقطعها الأول يقول «لست أقوى على هواك ومالي أمل فيك فارفقي بخيالي» ولم تشتهر تلك الأغنية أو تذع، لذا اعتبرت أغنية «انت عمري 1964» أول أغنية تجمع العملاقين، وقد أساء عبدالوهاب كثيرا لأم كلثوم في أغانيه حيث «فرد عضلاته» الموسيقية في مقاطع تمتد لنصف ساعة قبل الأغنية، كما كشف المساحات السيئة في صوتها حيث جعلها للمرة الأولى تتنحنح في بعض المقاطع، رحم الله موحدة العرب الأولى السيدة أم كلثوم!
أنا أمكم وطفلتكم
لقد كنت جميلة! البعض يقول إنني لا أزال كذلك، ولكني لا أحب نفسي كثيراً هذه الأيام، فقد اصبحت أخيف أبنائي، وأتسبب في قتل أهلي من غير قصد بتجويعهم حتى الموت، كما أقوم أحيانا بتحويل أكثر أيامهم إشراقا، وفي لمح البصر، إلى موت ودمار.
عندما أقف كل يوم هناك وأحرك يدي لوداع كل أولئك الشباب وهم يستقلون تلك الطيور الحديدية الضخمة، أشعر بالغيرة لعلمي بأنهم سيذهبون للتسوق في شوارع لم أسمع بها، مبتسمين لغرباء لا يعرفون حتى من أين أتوا وليعملوا وينجحوا.. آه كم أتمنى أن يكونوا معي الآن ليعملوا في كنفي، فأنا اشعر بالعجز من غيرهم، فآلاف وآلاف تركوني الى الابد، ومن عاد منهم لم يتجاوز المئات وانا هنا في الانتظار.. وفي انتظار عودتهم.
جاءت الصبية في ذلك اليوم، وكانت كالملاك بفستانها الأبيض ووقفت على الشاطئ وفنجان القهوة بيدها، وهي تنظر إلى البحر والكلمات تخرج من بين «عينيها»: آه كم اشتاق إليك.. كم أحن اليك ولطقسك ونسمات بحرك، كم أشتاق للتطلع من خلال نافذة غرفتي إلى النجوم وهي تملأ سماءك، عندما يكون الكون نائما وليس هناك غيرك.. آه كم اشتاق إليك!! إنني افتقد انتمائي لك، افتقد الأمان، انك لا تعرفين مدى قسوة أن يقوم أحدنا من النوم كل صباح، وهو يتساءل عما اذا كان أهلي وأصحابي بخير. ولا يشعر أحدنا بالاطمئنان حتى يقرأ صحف الصباح ويجري بضع مكالمات هاتفية إذا كان هناك خبر انفجار هنا أو قنبلة هناك.
سمعت كلام ذلك الملاك الجميل، وامتلأت مقلتاي بالدموع، وملأ الغضب قلبي، ولم اعرف كيف يمكنني مواساتها، فجسمي ثقيل ومتناثر وارضي أصبحت تستمتع بدمويتها، وبين كل لحظة وأخرى ينفجر احد شراييني ويموت من جراء ذلك بعض أطفالي الأبرياء وليس بمقدوري فعل شيء.. ولكني أحاول.
وعاد صوت الملاك، وسمعتها تقول: إنني أود أن أعود لك وأموت على أرضك بين أهلي، بين أبي وأخي، فأنا أريد أن أربي أبنائي معك كما سبق أن تربيت عندك.. عندما لم نكن نعرف الفرق بين المسلم والمسيحي وحتى اليهودي.. ولم اسمع أبداً عن ارهاب، فأنا أريد أن يتربى أبنائي على النظام والاحترام والحرية، والأهم من ذلك على الكرامة، فماذا حدث لك فأنت لم تعودي كما كنت؟
وهنا شحت بوجهي ومضيت فلم اعد قادرة على سماع المزيد، ولكنها لم تتوقف عن مناداتي، ولم أجب فقد حطّمت قلبي، فقط لأنها كانت تقول الحقيقة، فأنا لم أعد إلى ما كنت عليه من سحر وجمال، فقد سلب «الزعران» مني كل ذلك.
أشعر بالخجل فقد تسببت في مجاعة شعبي، وليس لدي سقف يظلهم ولا أمان وحب يلفهم، وأشعر بالألم، فأنا أود ان اقاوم وأتحمل أكثر فربما، ربما، يعرف أهلي ويشعرون بآلامي ويحاولون مساعدتي في الوقوف بدلا من السير فوقي، ولكني لا ألومهم فهم جياع وفقراء!!
وتركتني فتاتي الملاك بعدها بأيام قليلة على احد تلك الطيور المعدنية الضخمة، ونظرت خلفها وهي تصعد سلم الطائرة وهي تتأمل أن تعود وتراني، على الاقل، كما أنا عليه الان، ولكننا نعرف ان المسألة ستكون خلاف ذلك!!
صرخت عليها، صرخت عاليا لعلها تسمعني طالبا منها العودة فليس بمقدوري ان اضمن لها الأمان، ولكن بامكاني ان اعدها انني واياها بإمكاننا فعل شيء! عودي واعيدي معك كل اولئك الذين تركوني، فأنا مشتاقة لكم كثيرا، وافتقد وجوهكم وضحكاتكم وآهاتكم.. عودوا وقاتلوا من أجلي، نظفوا ما تراكم علي من أوساخ وما علق بي من مخلوقات فاسدة غيرت معالمي.. ساعدوني لكي أقف فليس بامكاني أن اقول بذلك وحيدة:
فأنا مدينتكم، وأنا أمكم، وأنا طفلتكم.. أنا بيروت!!!
* * *
• ملاحظة:
ترى هل سيتعلم الكويتيون شيئا من قصة بيروت؟ أشك في ذلك!!
مترجمة بتصرف عن كاتب مجهول.
أحمد الصراف
سنة «الخمسين دينارا»!
في الذاكرة الشعبية البحرينية التراثية التاريخية، بضع مناسبات ارتبطت بحوادث شهدها المجتمع البحريني… من بينها حوادث كبيرة لكن تاريخ حدوثها غير محدد بالضبط… كأن يقال «سنة الطبعة»، فتختلف بشأنها التواريخ، ولا أستطيع شخصيا أن أدلي بدلوي في تحديد تاريخ لأنني ببساطة: لا أمتلك المعلومة.
دعونا من «سنة الطبعة»، لنستعرض بعض الحوادث «الميتافيزيقية» التي مرت بالبلد، ففي أواخر السبعينيات انتشرت قصة الفارس الملثم، وفي مطلع الثمانينيات، رحل الفارس الملثم لتنتشر في المجتمع البحريني قصة «أبو قرون»… ففي القصة الأولى، كان الفارس المجهول يثير الرعب في النفوس، وخصوصا بالنسبة إلى الصغار الذين ينتقل إليهم الخوف تلقائيا من «فزع» الكبار أنفسهم من ذلك الفارس الملثم الذي يظهر ليلا، وربما نهارا أيضا في مناطق مختلفة من البلاد ليثير الرعب… لكن أحدا لم يشاهد ذلك الفارس وجها لوجه، ومن ينبري ليعلن للناس أنه رآه وحدثت بينه وبين الفارس الملثم جولة من جولات البطولة، أو ملاحقة مغامراتية مبهرة، فإنه كاذب كاذب كاذب…
أما «أبو قرون» فهو الآخر كان يخيف الناس، بمجرد أن يقول قائل» «جاكم بو قرون! لن تجد في السكيك ولا طفطوف»! وتصبح طرقات الديرة خاوية على عروشها… وربما لن يشعر ذلك الشخص الذي جاء إلى الخباز ووجده بلا طابور طويل… فبدلا من أن يفرح ويشتري ما يريد من الخبز ويمضي… فإنه يهرب تسابق الريح قدماه لأنه يعلم أن المسألة فيها «أبو قرون» و «خل الخبز ينفعك»؟!
كلها خرافات في خرافات، لكن الناس كانت تعيش فصول القلق لحظة بلحظة…
في عقد التسعينيات، ولربما كان ذلك فيما بين العامين 1992 و1993 انتشرت قصة أخرى، وهي قصة «شحمة الخير»… هل تذكرونها؟! إذ كان الناس يتناقلون قصة قطعة غريبة من اللحم يتم الاحتفاظ بها في المنزل ورعايتها وإطعامها، وهي تجلب الخير… أعتقد أن الكثيرين يتذكرونها؟
دعونا من ذلك كله، فلدينا اليوم حال مشابهة… ينام الناس ويصحون وهم يتحدثون عنها… إنها قصة «الخمسين دينار بدل الغلاء»… ولا ندري هل سيكون في مقدور الناس أن يصلوا إلى لحظة تحقق الحلم الوردي بصرف بدل الغلاء المقدرة بخمسين دينارا لكل أسرة يقل مدخولها الشهري عن 1500 دينار… وعلى رغم عدم وضوح آلية الصرف وموعده الذي طالب مجلس الوزراء النواب بالإسراع في إقرار موازنته البالغة 40 مليون دينار ليتم صرفها قبل الخامس عشر من الشهر الجاري… أي في الأسبوع المقبل، فإن الآمال معلقة دائما على نواب الشعب في إزالة هذه الغمة عن هذه الأمة، وإشاعة حال من الفرح والسرور تدخل كل بيت وتنهي حال الترقب والقلق والمعاناة والخوف من أن تصبح تلك الأحجية واحدة من أشهر الأحجيات التي ترسخت أو ستترسخ في الذاكرة الشعبية البحرينية.
أينما تذهب ستسمع الناس تتحدث عن اليوم المنتظر لوصول الخمسين دينارا إلى جيوب المواطنين الذين طال انتظارهم، ولن تستغرب إذا سمعت بعضنا يوعد أطفاله بأنهم سيعيشون في القادم من الأيام، سنوات جميلة من الرفاهية ورغد العيش بمجرد تسلم معونة بدل الغلاء!
سنة «البونس» مضت إلى غير رجعة، وسنة الزيادات ستكون ربما متطابقة مع حسابات السنوات الكبيسة، لكن سنة «الخمسين دينارا»، 2008، محملة بالآمال الكبار في مواجهة غول الأسعار الذي لا يرحم… فقد أصبح الناس يتحدثون عن الخمسين دينارا وكأنها آخر العلاج (الكي) الذي سيحرق غول الغلاء حرقا يجعله يرمي نفسه في البحر! ويبدو لي، أن غول الأسعار، هو الرديف الشعبي لـ «أبي قرون» و «الفارس الملثم»… مع فارق بسيط… وهو أن غول الغلاء حقيقي حقيقي… فيما كان «أبو قرون» و «الفارس الملثم» مجرد قصتين خرافيتين عبيطتين.