مع وجود العدد الكبير من الناخبين في كل دائرة سوف يكون من الصعب ممارسة شراء الأصوات. الفائزون في الانتخابات المقبلة سيحتاجون إلى الكثير من التحالفات الجوهرية، وإلى كتل سكانية تساند طرحهم وتوجهاتهم. في الوقت نفسه سوف يكون هناك من التناقض والاختلاف بين كل فئة وأخرى في كل دائرة بحيث لا يستطيع المرشح إلا أن يطرح قضايا يجمع عليها الناس ويقبل بها الكثيرون من الناخبين والناخبات. هكذا يجب أن تكون الأطروحات أكثر وضوحاً وبساطة من السابق في تعبيرها عن مطالب جوهرية، ويجب أن تكون شعاراتها أكثر تلخيصاً لما تريده الدائرة وسكانها.
إن وجود برنامج يطرحه المرشح في الانتخابات المقبلة لن يكون ممكناً إذا لم يبدأ المرشح أولاً بمرحلة استماع صادقة لرأي الغالبية الصامتة في كل دائرة. فمجتمع المواطنين والمواطنات لديه هموم آنية، ولكنه يمتلك هموماً وطموحات ليست آنية، وهي متوسطة الأمد تتعلق في الجوهر بحال الكويت السياسي والإداري والاقتصادي والإنساني والثقافي والنهضوي. ما يشغل بال الكويتيين حال العمل والتوظيف للجيل الشاب، وحال العمل والتعلم في المدارس، وحال الاستقرار والارتقاء في الكويت، وحال التقدم والنمو خارج القطاع النفطي، وحال الطرق والسرعة، وحال الرياضة والرياضيين، وحال الكويت بأوضاعها كلها. لهذا قد يكون صوت الناخب في المرحلة المقبلة فيه مفاجآت للمرشحين إن لم يقوموا من جانبهم بالاستعداد للتعامل مع القضايا التي تجعل الغالبية في الكويت تشعر بالكثير من التشوش، وذلك عندما تقارن بين الكويت ومثيلاتها من الدول الخليجية المنجزة. في هذا لن يلوم الناخب الديموقراطية، بعد أن جرب حكم الديموقراطية وحكم اللاديموقراطية في الثمانينات، بل سيلوم النخبه السياسية بتنوعاتها كلها أكانت في الحكومة أو في المجلس، بغض النظر عن نسب تحمل المسؤولية بين هذا وذاك.
وبما أن المرشحين لا يمتلكون أحزاباً متكاملة النمو فعلى كل مرشح أن يعتمد على فريقه الرئيسي للقيام بمهمة معرفة رأي الغالبية الصامتة وصوت من لا صوت لهم. في هذه الانتخابات يشكل الاستماع إلى رأي الناس ولما يقولونه أساساً من أساسيات معرفة الاتجاه. سيكون السؤال الرئيسي: ماذا نريد، وما هو المطلوب من مجلس جديد في مرحلة حساسة، وكيف يجب أن يتصرف الأعضاء، وما هي القضايا الرئيسية أكانت سياسية أم اجتماعية اقتصادية أم حياتية التي يجب أن يتبنوها؟ إن تقييم تجربة المجلس المنحل ضروري للمرشحين، والاستماع إلى رأي الناخبين عن طبيعة ما حصل بعقلانية واستعداد للتعلم من أجل تطوير الكويت وتطوير واقعها، وهذا سوف يفتح الآفاق لحملة انتخابية أكثر رقياً وأكثر دقة وأكثر ملامسة للقضايا التي تهم مجتمع المواطنين. إن التعرف على ما يريده الناخب في كل دائرة سوف يتقاطع بنسب مختلفة مع ما يريده أبناء وبنات دائرة أخرى. ولكن هذا الاستكشاف لا يشكل إلا مرحلة أولية، بالإمكان الاستزادة من خلالها بالاستبيانات على أنواعها.
إن وصول المرشحين إلى مقاعد مجلس الأمة ليس غاية بحد ذاتها، كما أن وصول وزير إلى مقاعد الحكومة ليس غاية بحد ذاتها. فالوزارة أولاً، والثمثيل البرلماني ثانياً، شأن عام ووسيلة للارتقاء بالبلاد وتحقيق لمطالب أهلها. لهذا فالوصول إلى مقاعد مجلس الأمة يجب أن يتم من خلال درجة عالية من الصراحة والصدق والوضوح لدى المرشحين، وذلك في ظل استيعاب لتجربة الأعوام الماضية وإمكانية تطوير استراتيجية أفضل في التعامل مع المرحلة المقبلة. فمن الصعب العودة إلى مجلس أمة يخوض معارك مع الحكومة لا بداية ولا نهاية لها، وذلك رغم عوامل الضعف في الوضع الحكومي. في الوقت نفسه، من الصعب أن يكون مجلس الأمة قوة غير منظمة تصطدم مع الحكومة على كل صغيرة وكبيرة، مما يخلق عوامل تشرذم ومزايدة في مجلس الأمة. إن النظرة للمستقبل والنظرة لكيفية تحضير الكويت لتحديات المرحلة المقبلة هي الجوهر، وهي العنصر الأهم الذي قد يساهم استراتيجياً في تحويل مجلس الأمة الى مجلس تنمية ومجلس استنهاض للوضع الحكومي.
سيبقى السؤال: كيف يمكن للقوى التي ستشكل مجلس الأمة أن تتحدث مع بعضها البعض محدثة التفاهمات على المرحلة المقبلة وكيفية تطوير الكويت؟ كيف يمكن للمنافسة البرلمانية المقبلة أن تكون استفتاء على تنمية الكويت ومستقبلها التعليمي والإنساني؟ أليس هذا هو الجوهر قبل الالتهاء بإسقاط القروض أو زيادة دينار هنا وامتياز هناك وتوزيع هبات ومنع المرأة من العمل بعد الساعة الثامنة مساء، بينما العالم يتغير من حولنا وجيل جديد يطالب بكويت متقدمة وقادرة على التنافس والارتقاء ودول إقليمية تتطلع إلى لعب دور أكبر وأنضج وأكثر كثافة ونفوذاً وتأثيراً. أسئلة كثيرة أمام المرشحين، وهي نفسها أمام الحكومة المقبلة وأمام كل من يفكر في مستقبل البلاد.