فقدان أحمد الربعي بعد صراع طويل مع المرض شكل خسارة لرموز الإصلاح في الكويت والعالم العربي. لقد كافح الربعي طوال الأعوام من أجل فكر يربط بين مستقبل أفضل وبناء دولة مدنية، وحقوق لكل مواطن ومواطنة، وحريات وانتخابات وديموقراطية متطورة. هكذا يوم التقيته قبل أكثر من عشرين عاماً كانت الكويت بلا مجلس أمة، وكانت الرقابة تدق عنق الصحافة، وكانت الحريات في البلاد بحدود الإعلام المحدود والخطاب السياسي الأحادي. ولكن المعادلة الكويتية تغيّرت على مدى عشرين عاماً من التراكمات، فهناك الآن حريات، ومجلس أمة، وإعلام مفتوح، وصحف بلا رقابة، ومدونات يصعب التحكم بسقفها، وعالم أكثر حرية، وجيل صاعد أكثر تساؤلاً وإصراراً على حرية التعبير رغم وجود معوقات. هكذا يودعنا الربعي، الذي ساهم بطريقته وأسلوبه المتجدد ببناء هذا الوضع الجديد في الكويت، في ظل ظروف حققت من خلالها الكويت جانباً من أحلامه، فالطريق أصبح اليوم أكثر وضوحاً، والسياسة أكثر تعدداً وانفتاحاً، وما لم يتحقق بالأمس أصبح ممكناً اليوم وأكثر إمكانية غداً. متابعة قراءة عندما تموت الرموز… نسمع صوتها من جديد
اليوم: 12 مارس، 2008
مبارك آخر الفراعنة والأهرامات الجديدة
أعتقد ان الرئيس محمد حسني مبارك هو آخر فراعنة مصر العظام وان ما ينجزه على ارضها هذه الايام هو بمنزلة اهرامات جديدة ستظل باقية بقاء الدهر، وفي هذا السياق هناك مفهوم خاطئ يقرن مسمى فرعون او الفراعنة بالطغاة بسبب جور وتعسف فرعون واحد عاصر نبي الله موسى ( عليه السلام ) وأتى ذكره في الكتب السماوية.
ان فراعنة مصر هم حكام عباقرة منجزون مازالت اعمالهم الراقية وعلومهم المتقدمة تحيّر الخلق حتى اعتقد البعض في الغرب ان تلك المنجزات والمعجزات لا يمكن ان يقوم بها بشر وانها لابد ان تكون قادمة من امم متطورة تعيش على كواكب اخرى، وبالطبع لا يمكن لتلك النهضة العلمية والابداع الفني والفلكي والصناعي والهندسي والزراعي الفرعوني ان تتم تحت حكم الطغاة، فذلك امر لا يتماشى اطلاقا مع سنن الخلق.
وعودة لمصر هذه الايام وما شهدته خلال زيارتي لكثير من المشاريع الجديدة من نهضة عمرانية افقية تفوق في مجملها ما يتم بناؤه في منطقتنا الخليجية او عالمنا العربي، ومعروف ان مصر كانت حتى النصف الاول من القرن الماضي مستقرا دائما لكثير من الاوروبيين والاميركان والاتراك والشوام والأرمن والشركس وغيرهم لما تمتاز به من اعتدال في المناخ طوال العام وموقعها الوسطي الفريد في العالم الذي يسهل التنقل منها واليها، وقد عادت مصر مهيأة مرة اخرى هذه الايام لاستقبال الملايين من مختلف اقطار العالم للاستقرار في تلك المشاريع الجميلة الجديدة التي تشتمل عادة على ملاعب غولف وفنادق وڤلل وشقق وسط حدائق غناء ونوافير وحمامات سباحة.
هذا بالطبع اضافة الى المئات من القرى السياحية الواقعة على شواطئ البحر الابيض وخليجي سيناء والبحر الاحمر وجميع تلك المنشآت مستعدة لاستقبال الخليجيين والعرب والاجانب، كما انها مستقر طيب لرجال الاعمال والمتقاعدين وتبقى الحاجة – كالحال في جميع اقطار الدنيا – للحذر قبل الشراء فبعض تلك المشاريع يتعمد اصحابها بناء جنات في جزء صغير منها لزوم التصوير ولاطلاع الزائرين عليها الا انهم يتباطأون كثيرا في انجاز بقية المشروع بعد ان يتورط الناس في الشراء.
آخر محطة:
في عام 1937بني في القاهرة عمارة الايموبيليا التي سميت في حينها بالهرم الرابع والتي اشترك في بنائها 9 مليونيرات مصريين واجانب على رأسهم أحمد عبود باشا، وكانت تشتمل على 370 شقة و27 اسانسيرا وكان بها نظام تدفئة مركزي بالاضافة الى نظام فريد لحرق القمامة وقد كان يسكنها المشاهير من رؤساء الوزارات وقادة الاحزاب وكبار الفنانين حتى تم تأميمها عام 61 من قبل النظام «الستاليني» آنذاك، وقد زرتها قبل الامس وصعدت للطابق 11 لزيارة نادي الطيران المصري الشهير، واقول ان العمارة لم تعد بعد ذلك التأميم تصلح للسكن الآدمي، والخوف ان تقرر الانتحار فتسقط على من فيها!
من وحي محاضرة جون
أحمد الصراف
«جون كونكغوي» اسم يعرفه الفلبينيون جيدا فهو واحد من كبار أثريائهم. يقول «جون» انه ولد في «سيبو» في الفلبين، ومنها بنى امبراطورية واسعة الانتشار في مجال الطيران واتصالات الهواتف المتنقلة والمرطبات والاطعمة. وقال في محاضرة ألقيت في أميركا قبل بضعة أشهر، انه عرف الفقر مبكرا بعد وفاة والده الثري فجأة، لتكتشف العائلة الكبيرة التي تركها وراءه ان ديونه تزيد على ما تركه من ثروة، وانه بالتالي بدأ من الصفر في سن 13 يعمل ويدرس ليلا، ونجح بتأمين لقمة شريفة لوالدته واخوته الذين أرسلوا للصين للعيش هناك.
نهاية الحرب العالمية الثانية كانت سعيدة بالنسبة اليه، وكان وقتها يبلغ العشرين، حيث تاجر بمخلفات الجيش الأميركي، واستورد البصل والطحين والملابس المستعملة وورق الصحف والمجلات المستعملة من أميركا، ومن تجارتها انطلق ليصبح أحد اثرياء العالم في قصة نجاح مثيرة بكل تفاصيلها.
يقول «جون» ان قصص النجاح الباهرة تصلح للأفراد وللشركات ايضاً وهي بالتالي لاشك تصلح للأمم. وهذا ما كان مصدر تساؤله الدائم عن سبب عجز الفلبين عن بلوغ ما تصبو اليه. ففي الفلبين قصص نجاح عدديدة سواء في الرياضة أو الغناء أو في تصاميم الملابس، وهذه جميعها اشتهرت بسبب الاعلام، فلا شك ان هناك حتما قصص نجاح عديدة اخرى ولكن غير معروفة. ولكن الفلبين تفتقر لعلامة تجارية عالمية معروفة، وهذه بامكانها خلق فرص عمل كثيرة وسترفع من مستوى معيشة الجميع، وهذا ليس بالأمر الصعب، فقد نجح في ذلك جيران الفلبين. ففي 54 سنة الماضية نجحت كوريا الجنويبة، بالعمل الدائب والجاد، في بناء نفسها بعد كل ما أصابها من دمار نتيجة الحرب العالمية الثانية، وما تبعها بعد سنوات من حرب أهلية طاحنة نتج عنها تقسيم البلاد الى دولتين!! ،نجحت كوريا خلال هذه الفترة من التحول من دولة زراعية في 1945 الى دولة متعددة المنتجات الخفيفة في ثمانينات القرن 20، ولتصبح مع بداية القرن الحالي من اوائل الدول في صناعة شبه الموصلات واجهزة الروبوت وتقنية البيولوجي، هذا بخلاف مئات المنتجات العالية الجودة الاخرى. وقد نجحت علامتها التجارية المعروفة «سامسونغ» في ان تصبح واحدة في قائمة العلامات المائة الاهم في العالم، كما تبعتها «ال جي» لتصبح الثانية.
وماذا عن الصين التي اصبحت خلال الثلاثين عاما الاخيرة رابع اكبر اقتصاد في العالم! اما قصة سنغافورة بأعراقها المتعددة فقد حولها «لي كوان يو» خلال اقل من 40 عاما الى واحدة من اغنى اقتصاديات آسيا وليصبح شعبها الأكبر دخلا في شرق آسيا!!
ويستطرد «جون» في القول اننا وبعد 50 عاما من الاستقلال لا نزال نسعى الى خلق علامة تجارية عالمية نفتخر بها، وهنا لا نستطيع التحجج بقلة عددنا فنحن شعب يتجاوز عدده 86 مليونا، علمابأن سويسرا التي يبلغ تعدادها 9 ملايين لديها «نستله». والسويد بسكانها الـ 9 ملايين ايضا لديهم «اريكسون» وفنلندا بخمسة ملايينها لديها «نوكيا» وجميعها ماركات عالمية معروفة. نعم نستطيع القول ان شعبنا مصدر كبير للعمالة الماهرة، ونأتي بعد الهند عالميا في مجال توفير الخبرات والتقنيات الادارية للشركات الكبرى، ولكننا لا نزال نفتقر لعلامة تجارية عالمية، ويجب الا نهتم ان ضحك الآخرون من احلامنا، فقد كانت السيارات اليابانية مصدر ضحك الكثيرين قبل فترة سنوات قليلة، وهي الان الافضل عالميا.
نعم لدينا منتجات فلبينية واطعمة ومجوهرات وحقائب يد تخترق الكثير من اسواق اوروبا وأميركا، وبالذات آسيا، وعليكم التفكير بعدم الاكتفاء بسوق لا يتعدى عدده 86 مليونا والتفكير بسوق آسيا الذي يبلغ اربعة مليارات نسمة، وان بامكانكم خلق شيء ما تفتخر به الفلبين. أنا على يقين ان بامكان الكثيرين منكم القيام بذلك، فقد بدأت امبراطوريتي ببيع حبات الفول امام منزلنا المتواضع ووصلت لما انا عليه من ثراء.
فكرت كثيرا في قصة نجاح «جون» وقلت في نفسي ان منتجا فلبينيا ما سيصل يوما الى قائمة المائة الاكثر شهرة في العالم. ولكن اشك في ان بامكان منتج عربي او خليجي الوصول لشيء ما دامت المقابر هي المتحكمة بنا. ولنتوقف، ولو ليوم واحد عن القاء اللوم على الاستعمار والصهيونية، فقد عانت سنغافورة والفلبين وكوريا، وحتى الصين من مختلف انواع الغزو والاحتلال الذي لم يختلف كثيرا عما أصابنا، ان لم يكن اكثر قسوة وبطشا!!