هل صحيح أن تاريخ منطقتنا يعيد تكرار ذاته مرة كل عشرة أعوام. عبد الناصر في الخسمينات والستينات تحوّل إلى بطل العالم العربي وعوالم عدم الانحياز إلى أن وقع في مصيدة الحرب والتكتيك الدولي، وانتهى مع هزيمة العام 1967، وبالطريقة نفسها تحوّلت المقاومة الفلسطينية إلى قوة كبرى في العالم العربي امتدت بعد حرب عام 1967 من عمان إلى بيروت طوال السبعينات، بينما كانت تحرك الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج. ولكن الظروف هي الأخرى تحركت فأنتجت حرباً أهلية في الأردن، وأخرى في لبنان، وحروباً إسرائيلية – فلسطينية لا حد لها، مما أدى إلى ضرب المقاومة الفلسطينية كظاهرة عربية وحوّلها إلى ظاهرة محاصرة تعاني من انشقاق وتكافح ليومها بصعوبة. من جهة أخرى برز صدام حسين في العالم العربي في الثمانينات، وأصبح بين يوم وليلة حارس البوابة الشرقية: فتح الحرب على إيران وتحرك بعد ذلك إلى احتلال الكويت. ولكنه هو الآخر واجه مقاومة لتوجهاته، وواجه رفضاً لخططه، وانتهى في حصار وعقوبات امتدت لأكثر من عقد قبل أن تتقدم القوات الأميركية لتحتل بغداد وتزيحه عن حكمه. السؤال الآن: هل أصبحت إيران وريثة عبد الناصر، ووريثة المقاومة ووريثة صدام؟ كيف سيتم التعامل مع إيران من قبل صناع القرار الدوليين، خصوصاً الولايات المتحدة؟ وهذا يقودنا إلى السؤال التالي: هل احتمالات الحرب قائمة إبان شهور أم عام أم عامين؟
يمكن القول وفق المسار التاريخي لإيران بأنها أصبحت الى حد كبير الوريث الشرعي للقومية العربية والثورية الإسلامية والطموحات الإقليمية بالقوة والجبروت. في هذا أصبحت إيران في المقدمة من جهة، وفي فوهة المدفع من جهة أخرى، فهي اليوم في غزة قوة رئيسية تساند «حماس» وتمولها وتدرب بعض عناصرها الفاعلة، إذ أصبحت إيران القوة الرئيسية التي تعتمد عليها «حماس»، ونجحت إيران في الوقت نفسه بجعل «حزب الله» يعتمد عليها على كل صعيد في تسلحه وقدراته العسكرية وفي حربه صيف عام 2006، وفي إعادة بناء ما دمر في جنوب لبنان. بل إن الأقوال عن وجود صواريخ طويلة المدى أعطتها إيران لـ «حزب الله» ليست بعيدة عن الواقع، إذ كاد «حزب الله» أن يستخدم هذه الصواريخ في حرب عام 2006، كما أعلن السيد حسن نصرالله. كما تتحكم إيران بالكثير من خلال «حزب الله» تجاه الوضع اللبناني الداخلي وانتخاب رئيس الجمهورية. وأصبحت إيران القوة الأولى في العراق حيث تتنافس مع الولايات المتحدة على كل نفوذ وتأثير، كما أصبحت القوة الرئيسية في سورية، فالمعروف أن الاقتصاد السوري الآن يعتمد بنسبة كبيرة على الاقتصاد الإيراني، وأن الاستثمار الإيراني هو الأعلى في سورية، كما أن إعادة تهيئة الجيش السوري في مجال الطيران وسلاح الدبابات وغيره من الأسلحة تمت على أيدٍ إيرانية وبخبرات إيرانية. هكذا مع الوقت عوضت سورية خساراتها للاتحاد السوفياتي من خلال إيران.
لقد أصبحت إيران القوة الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، وهي تمتلك ترسانة عسكرية كبرى ونفوذاً معنوياً هائلاً في الساحة الإسلامية، كما أنها تسير في طريق القوة النووية. وتختلف الآراء فهناك من يرى أن إيران ستحقق قدرات نووية خلال عام أو أعوام خمسة. إن طريق إيران نحو القوة مازال قائماً ومستمراً، وهي اليوم تمسك بمفاتيح العالم العربي والإسلامي، ولكن هذا الطريق محفوف بالمخاطر، وهذه المخاطر في طريقها للارتفاع.
إن أي مراجعة للتاريخ الإقليمي تؤكد أنه ما من قوة صعدت إقليمياً إلا وتمت مواجهتها من قبل الولايات المتحدة ودول كبرى أخرى، بغض النظر عن الثمن الذي تدفعه المنطقة من جراء هذه المواجهة. فمع كل صعود تتجمع القوى الدولية وأيضاً الإقليمية للحد من هذا الصعود وإيقافه. وهذا ما سيقع مع إيران إن استمرت في إمساكها بمفاتيح المنطقة بالطريقة الراهنة. فهناك مزيد من القوى التي تميل إلى المواجهة المسلحة مع إيران في الساحة الأميركية وتنتظر وقتاً مناسباً لتنفيذ تصوراتها. هذه التصورات قد تقع هذا العام(وهذا احتمال ويجب عدم التقليل من إمكانية حصولها في زمن رئيس في طريقة للخروج من البيت الأبيض). ولكن الرؤية التاريخية تقول إن الصراع مع إيران سوف يستمر لأعوام، وإنه لن ينتهي مع هذه الإدارة، بل سوف يمتد للإدارة المقبلة.
وتواجه إيران خيارات صعبة، فالاستمرار في الطريق الراهن سوف يؤدي حتماً إلى المواجهة العسكرية. ولن يكون هذا لصالح إيران، خصوصاً وأن الوضع الداخلي محل تساؤل. ففي الأعوام القليلة الماضية تم إقصاء فريق الإصلاحيين والوسطيين (تيار خاتمي وتيار رفسنجاني) الإيرانيين من الحكم في إيران، وقد انعكس هذا على سياسة إيران الخارجية والإقليمية. من جهة أخرى، سيطر على إيران منذ مجيء الرئيس محمود أحمدي نجاد تيار الحرس الثوري، بل يمكن التأكيد أن غالبية الشخصيات الرئيسية في الحكم في إيران أكانت مقربة من الرئيس أم من مرشد الجمهورية في هذه المرحلة لها جذور وماضٍ في الحرس الثوري الإيراني. بمعنى آخر، إن مؤسسة الحرس الثوري هي الجهة التي تمارس القيادة من لبنان إلى سورية ومن غزة إلى العراق. فرؤيتها للأمور وتوجهاتها هي التي تتحكم بالتوجهات الإيرانية على كل صعيد. إن سيطرة فريق وإقصاء معظم الفرق الأخرى في إيران قد لا يخدم إيران في حال وقوع مواجهة كبرى مع الولايات المتحدة. إن الملف الإيراني يزداد سخونة، ومنطقتنا لم تخرج بعد من آفاق واحتمالات الحرب. مرة أخرى نواجه احتمالات تزيد من انتشار مساحة العنف في عالمنا.