نحن اليوم في الخميس الأول من شهر مارس، وما لا يعلمه أبناء الجيل الجديد ان خلال الثلاثين عاما الممتدة من أوائل الأربعينيات حتى أواخر الستينيات كان الخميس الأول من كل شهر هو الموعد الذي يتوحد فيه العرب قاطبة من الخليج حتى المحيط لسماع حفل أم كلثوم الذي يمتد من الساعة العاشرة حتى الثانية عشرة مساء، وقد قيل كرد فعل على «نكسة 1967» ان أحد أسبابها هو حفلات أم كلثوم التي ادعي انها «تسطل» الناس مما تسبب في هزيمتهم! والحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك حيث لم يمنع الاستماع والاستمتاع بالفن الراقي، كالذي تقدمه «ثومة».
مع بداية الأربعينيات تعاملت الآنسة أم كلثوم المعروفة بذكائها الشديد وحبها للتغيير مع شاعر الشعب بيرم التونسي والملحن الأزهري الشيخ زكريا أحمد اللذين ابتدعا نظام الأغنية الطويلة وحفلات أول الشهر فكانت أغاني «أنا في انتظارك 1943» و«الآهات 1943» و«حبيبي يسعد أوقاته 1943» و«الأولة في الغرام 1944» و«أهل الهوى 1944» و«الأمل 1946» و«حلم 1946» وفيما بعد، وبعد زعل 13 عاما، أغنية «هو صحيح الهوى غلاب 1960» لبيرم التونسي وزكريا أحمد.
مقابل غناء أم كلثوم أزجال أحمد رامي وبيرم التونسي الشعبية السهلة، اختص منافسها محمد عبدالوهاب «مطرب الملوك والأمراء» بغناء قصائد وأشعار أمير الشعراء أحمد شوقي وغيره، لذا قام رياض السنباطي بنقلة نوعية لأم كلثوم عام 1946م عبر تلحينه قصائد لشوقي ورامي وغيرهما مثل «سلوا قلبي» و«نهج البردة» و«هلت ليالي القمر» و«غلبت اصالح» ثم روائعه «ياللي كان يشجيك أنيني 1949» و«سهران لوحدي 1950» و«جددت حبك ليه 1952» وأكمل ذلك بقصائد عدة كـ «رباعيات الخيام» و«أراك عصي الدمع» ثم أجمل أغاني أم كلثوم على الإطلاق ونعني «الأطلال» للدكتور إبراهيم ناجي.
في أواخر الخمسينيات، وكما تذكر الباحثة د.سهير عبدالفتاح، شعرت أم كلثوم بشيخوخة صوتها كما غلب «الرتم» الواحد على أغلب أغانيها وحفلاتها، لذا اتجهت لجيل الشباب وطلبت من بليغ حمدي الذي كانت في منتصف العشرينيات ان يلحن لها أغنية شبابية فكانت أغنية «حب إيه» وقد لحن لها قبل ذلك بسنتين أغنية وطنية هي «إنا فدائيون» واتجهت بعد ذلك لمحمد الموجي وسيد مكاوي.
وكانت أم كلثوم ترفض الغناء لمطربين وملحنين مشهورين، أمثال محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش، كونها تعتقد ان نجاح أي أغنية يقومون بتلحينها سينسب لهم لا لها، إلا انها قامت في سهرة خاصة عام 1944 بتقديم أغنية من كلمات كامل الشناوي ولحنها محمد عبدالوهاب كان مقطعها الأول يقول «لست أقوى على هواك ومالي أمل فيك فارفقي بخيالي» ولم تشتهر تلك الأغنية أو تذع، لذا اعتبرت أغنية «انت عمري 1964» أول أغنية تجمع العملاقين، وقد أساء عبدالوهاب كثيرا لأم كلثوم في أغانيه حيث «فرد عضلاته» الموسيقية في مقاطع تمتد لنصف ساعة قبل الأغنية، كما كشف المساحات السيئة في صوتها حيث جعلها للمرة الأولى تتنحنح في بعض المقاطع، رحم الله موحدة العرب الأولى السيدة أم كلثوم!