ابتلي الوطن العربي منذ عام 1952 بظاهرة «الغزاة العرب» أي الحكام الثوريين ممن يعاملون الدول التي تبتلى بحكمهم معاملة الغازي للدولة المحتلة، فيتم قطع رقاب الابرياء من الشعوب ونصب المشانق وفتح السجون وبث الجواسيس واذلال الاحرار ونهب الثروات، ولا شك في ان صدام حسين قد غزا واحتل ارض الرافدين قبل أن يغزو ويحتل الكويت.
وقد أصدر قبل مدة الكاتب المصري المخضرم جميل عارف كتابا عنوانه «من سرق مجوهرات أسرة محمد علي؟» أظهر فيه بالوقائع والوثائق والشهود كيف سرق رجال الانقلاب العسكري قصور أسرة محمد علي حال سقوط الملكية وتراوح النهب ما بين الاستيلاء على قصور وأطيان بأكملها وسرقة 11247 قطعة ذهب وألماس وأحجار كريمة لا تقدر بثمن، تنافس على استباحتها بعض اعضاء مجلس قيادة الثورة ومعهم من ائتمنوا على حصرها وتدوينها والحفاظ عليها، فقام البعض منهم بوضعها في الجيوب والبعض الآخر قام حتى بابتلاعها.
ولم يبرئ الشهود الذين قابلهم الكاتب، ومنهم مسؤولو الديوان الملكي وفيما بعد الجمهوري كصلاح الشاهد، الرئيس عبدالناصر من تلك الجريمة التاريخية الشنعاء، فالبعض من تلك الثروات اعتاد الرئيس الراحل اهداءه للزائرين الرسميين وغير الرسميين والبعض الآخر بيع بأبخس الاثمان لشراء المعدات العسكرية التي ضربت في حرب 1967، ويذكر جميل عارف ما حدث لقصور ومجوهرات الملوك في الدول الاخرى الممتدة من الصين حتى تركيا وأوروبا، والتي تحولت الى متاحف تجلب ملايين السائحين ومليارات الدولارات للدول المعنية.
وتمر علينا هذه الايام الذكرى الخمسون لقيام الوحدة بين مصر وسورية (22/2/1958) وقد قام النظام الثوري في مصر آنذاك بنقل ثقافة الغزو والنهب الى سورية التي وافق 99.99% من شعبها على الوحدة – حسب الاستفتاءات المزيفة – ففتح ابواب السجون للاحرار وسلط وزير الداخلية عبدالحميد السراج (السلطان الاحمر) على رقاب السوريين فإذا بخصومه وكل من وقف في طريقه من شيوعيين وقوميين واخوان في أحواض الاحماض الحارقة، وقد انتفض الشعب السوري على الغزاة الثوريين ففصم عرى الضم في سبتمبر 1961.
وحول النظام الثوري في القاهرة آنذاك عسكره وطغاته الى اليمن بعد انقلاب سبتمبر 1962 على الامير المثقف البدر حيث تمت سرقة ثروات مصر واليمن معا، وتم سجن رئيس الجمهورية اليمنية في الاسكندرية، كما صدرت الاوامر بسفر كامل اعضاء مجلس قيادة الثورة (أو الثروة) اليمني الى القاهرة، حيث احيلوا من المطار الى السجن ومنعوا من الذهاب الى المراحيض، فقال العمري آنذاك: كنا نطالب بحرية القول ابان الملكية فأصبحنا نطالب بحرية البول في عهد الجمهورية.
أخيرا، ان التهليل للطغاة الثوريين بالأمس هو من شجع صدام على قمع شعبه وغزو جيرانه، ولاشك في ان الاستمرار في التهليل والتطبيل لحكم الثوريات المجنونة في المنطقة هو ما سيشجعهم كما شجع من قبلهم على المزيد من قمع شعوبهم واستباحة واضاعة ثرواتهم، ثم شغلهم بحروب وغزوات الخارج، فهل يتعظ ابناء وطني من اخطاء الماضي؟ نرجو ذلك!