التغيير في الكويت لن يقع إلا إذا تبنى المجتمع القضايا التي يريدها، وسعى بقوة تعبيره ووسائله الشرعية والمتجددة لطرح مطالبه في كل مسألة تهمه. الغالبية الصامتة يجب أن تتحول عن الصمت وتسعى إلى التعبير عن النفس وعن رغباتها. فالسكوت هو السكون الذي ساد السنوات الماضية (خصوصاً منذ تحرير الكويت عام 1991) وقد نتج عنه حالة إضعاف للقضايا المهمة، بما يخدم متطلبات آنية وفئوية في خضم المساومات الحكومية – البرلمانية أو البرلمانية – البرلمانية. هكذا تم التلاعب بموضوع التعليم، كما تم التلاعب بمواضيع في أكثر من مسألة على مدى سبعة عشر عاماً. لقد أثبت التحرك الخاص بالدوائر الخمس والتحرك الآن للدفاع عن التعليم المشترك أن تحول الغالبية الصامتة عن صمتها المدخل للتغيير في الكويت. فالسياسة في الكويت أصبحت أسيرة المواقع والنفوذ وإعادة الانتخاب والحسابات القلقة، هكذا أصبحت السياسة غاية ولم تعد وسيلة لتأمين حاجات الناس وتطوير المجتمع ومستقبله. لقد فقدت السياسة في الكويت بريقها وأهميتها وتحولت إلى صراع مواقع بين أقطاب وفئات، وفي هذا أزمة السياسة في الكويت، ولهذا بالتحديد تهاجر الشركات وتتحول الكويت إلى الانغلاق، بينما يقع عكس ذلك تماماً في محيط الكويت الخليجي ومحيطها العالمي.
وبما أن التغيير الإيجابي في الكويت لن يتم بمبادرة حكومية أو قرار برلماني، نظراً إلى جمود السياسة وخوف السياسيين من بعضهم البعض وحساسية التوازنات في ما بينهم، فالمستقبل يجب أن يأتي من مبادرات المجتمع التي إن طرحت بقوة وزخم بإمكانها أن تكون مبادرات تتبناها النخب والقيادات والممثلين البرلمانيين. بمعنى آخر ان الفعل السياسي يجب أن يأتي من الناس قبل أن يتحول إلى فعل سياسي تتبناه الأجهزة التي أصبحت متراجعة عن وعي الناس وحسهم بالمصلحة الوطنية الأوسع. إن تحرك الغالبية الصامتة والفئات المؤثرة، صاحبة الموضوع، هو الأساس في تحريك مستنقع المياه الراكدة في السياسة الكويتية. وهذا هو بالتحديد حال موضوع التعليم المشترك في المدارس والجامعات، وهي حال إقرار حقوق المرأة قبل ذلك. إن تحرك الغالبية الصامتة في موضوع التعليم المشترك يعني عملياً مقدرة الفئات التالية على التحرك: الطلاب والطالبات الذين يهدف القانون للتحكم بهم والذين لا يأبه القانون بتعليمهم، الأهالي الذين يسعون إلى تحقيق تعليم مشترك في مراحل دراسية مختلفة لأبنائهم وبناتهم، المجتمع المدني والفئات الاجتماعية التي تريد أن ترى الكويت بلداً متقدماً معاصراً يحقق خيارات علمية مختلفة لأبنائه وبناته، أصحاب المدارس والجامعات ممن يتأثرون بالقرارات غير المدروسة والعشوائية، كل من تخرج من التعليم المشترك واستفاد منه في الكويت وخارجها، إضافة إلى أعضاء البرلمان وأعضاء الحكومة ممن يؤمنون بعدم فرض الأمور على المجتمع وبعدم تضييق مساحة الحرية في مجال طرق الحياة أو في مجال التعبير.
وهناك بطبيعة الحال في جامعة الكويت، وهي الجامعة الحكومية الأهم، كلية للبنات لمن يريد فصلاً كاملاً، وهناك فصل كامل في التعليم التطبيقي، أي الجامعة الحكومية الثانية في البلاد، فلماذا السعي إلى فصل جامعة الكويت بالقوة؟ إن المدارس في الكويت في معظمها غير مختلطة، فلماذا الانقضاض الآن على بضع مدارس خاصة مختلطة يضع معظم السفراء والسلك الديبلوماسي أبناءهم وبناتهم فيها؟ إن الهدف من هذا كله سياسي بالدرجة الأولى، إضافة إلى أنه وسيلة للتحكم بالمجتمع.
لقد سقطت فلسفة التحكم بالمجتمعات مع سقوط الشيوعية، والاشتراكية، والقومية السلطوية. نحن نسير كما تسير البشرية نحو مزيد من الحريات ومزيد من الاختيار. لهذا فالتعليم المختلط والمشترك يجب أن يكون جنباً إلى جنب مع التعليم غير المختلط، تماماً كما أن الخيارات ذاتها يجب أن تتوافر في أنشطة البلاد كافة أكان ذلك في النوادي سواء كانت مختلطة أو غير مختلطة، أو الاحتفالات، أو رأس السنة الميلادية أو السنة الهجرية. التنوع في طرق الحياة جزء من العصر، فلماذا نسعى إلى رفض ما أصبح حتماً أحد أبعاد الحياة في كل مكان؟ في الجامعات التركية سمح للمحجبات بالدخول إلى الجامعة، وهذا تطور إيجابي، لأنه يضع المحجبات إلى جانب غير المحجبات والمتدينين الأتراك إلى جانب غير المتدينين. هكذا يصبح النجاح حليف المجتمعات التي تتصالح مع نفسها مع ماضيها ومع العالم والعصر في الوقت نفسه. أما سياسة الفرض على بقية أفراد المجتمع فتأخذنا نحو البوليسية والتحكم والرفض والتوتر، كما هو حاصل في مجتمعات عدة نعرف جميعنا كم تعاني من فلسفة التحكم الاجتماعي. نحن في عالم ما بعد الحداثة: الجديد والقديم يتعايشان، الدين والحياة أيضاً يتعايشان، الفصل والاختلاط يتعايشان. آن الأوان للتخلي عن فكرة سيطرة فريق على فريق، فعصر الغالبية الصامتة التي بدأت تخرج عن صمتها هو الآخر يطرح نفسه علينا بقوة.