كلما مررت على المكتبات أو معارض الكتب في القاهرة وبيروت وحتى الكويت وجدت كتاب «كفاحي» لزعيم النازية هتلر يعرض على الواجهات، ما يعني ان الكتاب وصاحبه يلقيان القبول عند بعض العرب خاصة، وقد سبق ان لجأ الزعيمان الفلسطيني والعراقي الحسيني والكيلاني لحمى النازية فهل كان النازيون وحلفاؤهم أصدقاء للعرب ومن ثم سيحققوا احلامهم بالرفعة والاستقلال حال انتصارهم؟
ولنبدأ بالأمور الواضحة والمعلنة وهي حقيقة انه لا الايطاليون الفاشست ولا الألمان النازيون ولا حلفاؤهم في حكومة فيشي الفرنسية اعطوا ليبيا ودول شمال افريقيا وبلدان الشام استقلالها، بل استمروا في احتلالهم البغيض لتلك الأوطان العربية وحتى دون وعود شفوية بمنح الاستقلال للعرب كحال وعد وزير الخارجية البريطاني «ايدن» في مجلس العموم البريطاني عام 43، ومن ثم فقد كانت مشكلة فلسطين ستبقى بشكل أكثر مأساوية وقتلا وقمعا حال انتصار هتلر وستنتقل آلة الابادة النازية منها الى باقي الدول العربية لخلق «هولوكوست عربي» كحال أبناء عمومتهم اليهود.
وتظهر الحقيقة الغائبة الكثير من الاضطهاد الذي عانى منه العرب في ألمانيا والنمسا قبل الحرب الكونية الثانية، والذي تظهره كتب لا نقرأها ونكتفي بقراءة كتاب «كفاحي» القميء، ومن ذلك ان رابطة الطلبة المصريين في ڤيينا ابلغت عام 32 قنصلية بلادها بالاهانات والمضايقات التي يختصهم بها النازيون في النمسا، وفي 34 اشتكت المفوضية المصرية في برلين الى وزارة داخلية الرايخ من الاهانات التي يتعرض لها المصريون الدارسون والعاملون في ألمانيا، كما صدر في 1935 قرار تعقيم من يسمون بـ «الهجناء المغاربة» أي أبناء الألمانيات المولودين من آباء مغاربة.
ومع بداية الحرب مباشرة أي في سبتمبر 1939 صدر الأمر النازي باعتقال العرب من مصريين وعراقيين وفلسطينيين ومغاربة في ألمانيا والنمسا وبولندا المحتلة، وارسالهم الى معسكرات الاعتقال الرهيبة في فورتسبورغ، وكان بين هؤلاء رئيس غرفة التجارة الألمانية المصرية الزائر (!) كما أصدر وزير الدولة روتبتروب تعليماته باعتقال المزيد من المصريين «حتى يكون هناك مصريان مقابل كل ألماني يعيش في مصر»، حسب التعميم، فامتدت الاعتقالات حتى للديبلوماسيين والقباطنة والبحارة المصريين في السفن الراسية على الشواطئ الألمانية كالسفينة «زمزم»، ومن ناحية اخرى كان هناك 67400 عسكري من الشمال الافريقي معتقلين في معسكرات الابادة النازية اثر استسلام الجيش الفرنسي.
ان ذلك الولع العربي بهتلر وبعده ستالين وماو وسونغ وكاسترو وغيرهم من الطغاة الاباديين هو ما زرع البذرة وتسبب في خلق وتوقير وتبجيل شعوبنا لظاهرة الاباديين العرب أمثال صدام وباقي جوقة الديكتاتورات الاحياء منهم والأموات ولن يصلح قط حال امة تعتبر هتلر وصدام وأبناءه شهداء ابرارا تزدان بهم الجنة.
آخر محطة:
أثناء عودتي قبل أيام من حفل غداء في الجهراء بصحبة بعض الاعلاميين وجدنا أثناء دخولنا شارع الصحافة سيارة يقودها شاب صغير وقد لصق على الدعامية الخلفية علما نازيا كبيرا يتوسطه شعار الصليب المعقوف ولا يعلم ذلك الجاهل الغر انه يسوّق لمن يريد استعباده واذلاله.