تؤكد التجارب أن التعليم المشترك والمختلط في التعليم الابتدائي حتى الثانوي مفيد كما أن التعليم غير المشترك وغير المختلط في المدارس هو الآخر مفيد. فهناك إيجابيات لكلا النظامين. ولكن غير المفيد على الإطلاق أن يصدر قانون في البلاد يمنع التعليم المشترك والمختلط لدواعٍ لا علاقة لها بالتعليم. فقرار الفصل بين الطالبات والطلاب في التعليم يجب أن يبقى قراراً خاصاً بيد الأهل الذين لهم الحق في تقرير الأنسب لأبنائهم ولبناتهم. أما أن تتدخل الدولة بقرار يقره مجلس الأمة(وهو ما يتم السعي إليه الآن) في فرض الفصل على المدارس الخاصة بعد أن صار لها عقود تمارس التدريس المختلط في الكويت، فهذا مدعاة إلى تدمير التعليم الخاص، وزيادة لتكاليفه. إن ما يقع هو تدخل في الحريات وحقوق الطلبة والأهالي في الاختيار. إن تجارب مدارس اميركية وانكليزية وثنائية اللغة في الكويت تؤكد نجاح التعليم المشترك المختلط، فلماذا تدميره الآن بقرارات عشوائية غير مدروسة وغير قائمة على أسس تربوية، بل قائمة على انحيازات اجتماعية ومواقف سياسية فكرية موجهة؟ لماذا تدمير هذه المدارس وتصغير تجاربها وفرض حالة، مفادها الخوف من تحدث الشاب إلى الشابة، عوضاً عن أن يكون السؤال الأساسي: ما هي العناصر التعليمية والتربوية المرجوة من عملية التدريس؟ فهل نقيّم بعقلانية مصلحة الطلبة أم أن التقييم مرتبط بالمصلحة الانتخابية والمنافسة بين التيارات والصراع بين إرادة الحكومة وإرادة النواب؟ متابعة قراءة لماذا يجب معارضة محاولات منع التعليم المشترك والمختلط في التعليم المدرسي الكويتي؟
اليوم: 13 فبراير، 2008
حتى لا نطفئ شمس النهار
الديموقراطية ليست صناديق انتخاب بل هي ممارسة ترسخ في الوجدان ومن استحقاقاتها الرئيسية التسامح والقبول بالرأي والرأي الآخر وغض النظر والترفع عن اشياء كثيرة خاصة الصغيرة منها، ومعها الايمان بأن التصويت على القضايا ينهي كل خلاف ونزاع ويفرض البدء بالنظر في قضايا جديدة بدلا من تكرار طرح نفس القضايا، والديموقراطية هي الايمان بالفروسية والروح الرياضية في التعامل مع بعضنا البعض وتجذير مبدأ «عفى الله عما سلف».
ومنذ اليوم الاول لبدء الدعوة الاسلامية انقسم المسلمون الى معتدلين آمنوا بقضايا عصرهم وكيفوا مواقفهم على معطى متغيرات الحياة، فأوصلوا بذلك النهج المتسامح الاسلام الى أعلى مجده وانتشر تبعا لذلك في مشارق الارض ومغاربها، وبالمقابل كان هناك رهط متشدد كـ«الخوارج» ديدنه وعمله قتل المسلمين ومقاتلة جيوش الخلفاء ولم يكن هناك اضر منهم على الاسلام رغم حسن نواياهم بالطبع!
قامت الكويت منذ اليوم الاول لنشوئها حتى منتصف السبعينيات بدور تنويري وثقافي مهم في منطقة كان يغلب عليها التشدد والتخلف، فتسابقت دول العالم لحمايتها والتأكد من بقائها فبقيت ثرية زاهرة – رغم قلة الموارد الطبيعية – يهاجر لها الآخرون في وقت اختفت في دول اخرى اكبر واعظم شأنا منها كدول الادارسة والاشراف والمحمرة.
ومع تعاظم وتضاعف موارد النفط منتصف السبعينيات، شعر البعض ان الكويت لم تعد تحتاج لدول العالم والانفتاح عليها او حتى الاستمرار في لعب دورها التنويري المعتاد، فبدأت مرحلة الانغلاق لأسباب سياسية واجتماعية يطول ذكرها ودفعنا سريعا ثمن ذلك التوجه بنكبات امنية واقتصادية وسياسية غير مسبوقة، وتوقفت تماما عجلة التنمية حتى انتهينا بالاحتلال والاختفاء خلال سويعات قليلة من ليل دامس الظلام.
اتى التحرير وانتشرت آنذاك اغنية كتبها المبدع بدر بورسلي واسماها «وطن النهار» حتى ظننا من تكرارها في حينها انها اصبحت عنوانا للمرحلة المقبلة، واننا سنفتح مرة اخرى نوافذنا لأفكار الشرق والغرب دون خوف او وجل، بعد ان جربنا الانغلاق ودفعنا اثمانه الباهظة.
إلا اننا فوجئنا بردة شعبية قوية غير مفهومة تدعو للانغلاق مرة اخرى بشكل اشد واقوى تمثلت راياتها وممارستها في منع التعليم المشترك وفرض ضوابط الحفلات التي قضت على مهرجان «هلا فبراير» والتشدد في رقابة معرض الكتاب وافلام السينما حتى هجرها الجميع، والتوقف عن تجديد او بناء المسارح الجديدة وكليات الفنون الجميلة، توازيا مع الاستغناء عن حصص الموسيقى والرياضة والمكتبات والهوايات في المدارس العامة.
ويعلم الجميع ان البديل «الوحيد» للنفط هو العودة للدور التاريخي للكويت اي دور المركز المالي والخدماتي في المنطقة، وهو خيار لا يمكن ان يتحقق تحت ظلال الانغلاق والتزمت والتشدد.
آخر محطة:
(1) الحقيقة التي لا مجاملة فيها اننا كلما تشددنا في قضية كانت الحكمة تقتضي ان نعف او نغض النظر عنها، اطفأنا شمعة اخرى في مسار الكويت المستقبلي المحفوف بالمخاطر الخارجية والداخلية، والخوف كل الخوف ان نختفي مرة اخرى مع انطفاء آخر شمعة تنوير دون ان يشعر بنا احد.. من تاني!
(2) قد يكون مستغربا جدا اننا نتشدد في وقت يتجه فيه العالم اجمع الى مزيد من الانفتاح والقبول بالآخر، ودلالات على ذلك الامر ما يحدث في الانتخابات الاميركية والسعودية وتركيا وبريطانيا من متغيرات.
عطونا أميركا!
لو قال لك من لا يدري بأن على الكويت الاتجاه لصنع المركبات ذات الدفع الرباعي، لان صانعي السيارات في اميركا اكتشفوا من خلال الدراسات والابحاث وخبراء الطرق، ان هذا النوع من المركبات اكثر امانا واقل تعرضا للحوادث من غيرها، لما تمالكت نفسك من الضحك، لان الكويت لا تصنع اي مركبات اصلا، فكيف يكون لها ترف التحول نحو صناعة السيارات الدفع الرباعي.
•••
زميلنا عادل القصار، العائد مشافى ومعافى، من رحلة علاج في الولايات المتحدة الاميركية، كتب مقالا قبل ايام انتقد فيه «المغرمين بالغرب» بسبب اخذهم كل شيء منه، الا فيما يتعلق بـ «القيم والآداب والتقاليد والمحافظة»!، وحيث اننا من المغرمين بالغرب فاننا نشكر تحيته لنا فيما يتعلق بقيمنا وآدابنا!، اورد في مقاله ذلك جملة اقوال ومؤشرات ودلائل، خلص منها الى ان هناك اتجاها قويا في اميركا نحو فصل الذكور عن الاناث في مختلف المراحل الدراسية، وان الفصل اكثر جدوى نفسيا ودراسيا!
لا نود هنا الطعن والتشكيك في ما اورد الزميل من نتائج وتحليلات، فهناك تحليلات وآراء معارضة لها بالكم نفسه، ان لم تزد عليها، لكن لضيق المساحة، فاننا سنتجنب ذكرها.
لكن لو افترضنا صحة ودقة استنتاجات الزميل فيما يتعلق بمضار الاختلاط، فانها تبقى نتائج صالحة لمجتمع وبيئة محددة ضمن ظروف ومعطيات محددة ايضا، وبالتالي قد تصلح لمكان ومجتمع ولا تصلح لغيره! فالمجتمع الاميركي، اساسا، مجتمع منفتح وحر، ودستورهم رسخ القيم الديموقراطية منذ اكثر من قرنين، ومواده اقرب للعلمانية منها لأي شيء آخر، هو يعطي، ضمن حريات كثيرة اخرى، لولي الامر حرية اختيار نوعية التربية والتعليم التي يراها اكثر ملاءمة ومناسبة لابنائه من دون تدخل من الدولة، كما ان خيارات التعليم والتدريس في اميركا متوافرة للجميع من دون عوائق او تدخل حكومي، اضافة الى ان مستويات التعليم هناك هي الاعلى في كل مجال ونطاق، وعلى الرغم من كبواتها الاخيرة!
ما نود قوله هنا وباختصار، اننا على استعداد لمجاراة الزميل في ما ذكره من افضلية فصل الجنسين في الفصول الدراسية، وحتى خارجها، كما ذكرت الدراسات والمؤشرات والدلائل الاميركية الغربية التي اوردها، كما اننا على استعداد لمساعدته على تطبيق ذلك في الكويت!، ولكن قبل القيام بذلك، نحتاج الى توفير بيئة ديموقراطية دستورية حرة كالبيئة الاميركية العلمانية التي اجريت فيها تلك الدراسات! كما نحتاج الىالقدر نفسه من حرية الاختيار المتاحة لولي الامر والخيارات التعليمية نفسها، والتعدد الواسع لنوعيات المدارس نفسه، وبعد كل ذلك له ان يطلب ما شاء!
اضافة الى ذلك ليس من المقبول اخذ جانب واحد من «مثاليات» المجتمع الاميركي، التي تصادف انها تناسب اهواءنا الدينية في فترة زمنية محددة، ونترك المثاليات الاخرى، فقط لانها لا تتفق و«عاداتنا وتقاليدنا»!
فالغرب ليس صحن فاكهة في وليمة بحيث نختار منه نوعا محددا يتلاءم وذوقنا وندافع عنه ونصفه بالاحسن، ونترك انواع الفواكه الاخرى فقط لاننا لا نحبها.. لاسباب سياسدينية!!
أحمد الصراف