هل تتحول المواجهة الأميركية الى أم المواجهات إبان الشهور القليلة المقبلة؟ الواضح أن التفاهم غير ممكن بلا انسحاب أميركي أو انسحاب إيراني من المواجهة. بلا هذا الأمر، فالمواجهة حاصلة لا محال، وهي قد بدأت. لقد وضعت الولايات المتحدة نفسها ومعها الآن مجلس الأمن، ووضعت إيران نفسها ومعها أنصارها في موقف صعب. الانسحاب من الموقف يعني فقدان ماء الوجه، والتمسك بالموقف سوف يعني الحرب والمواجهة. فالمواجهة في هذه الحالة سوف تعني حرباً أكبر من التوقع تترك آثاراً كبرى على منطقتنا. إن الحروب كما شاهدنا من التجارب السابقة سوف تعني فوق كل شيء المفاجأة وعدم معرفه الذي سنتوقعه. فالحرب إن وقعت مع إيران لن تكون حرباً سهلة. ولكن الحروب على صعوبتها تقع، وصناع القرار يسعون إليها، وذلك عندما تفشل الديبلوماسية. وهذا ما هو حاصل الآن في الملف الإيراني – الأميركي.
إن جوهر المرحلة الراهنة الوصول بالديبلوماسية إلى نهاية الطريق. جوهرها حتى الآن إقناع إيران بالتراجع عن البرنامج مقابل إقناع الولايات المتحدة بالتوقف عن الاستعداد لضربة عسكرية. إن إيجاد المعادلة بين الموقفين لن يكون أمراً سهلاً، فقد تجاوز كل طرف آفاق التراجع في المدى المنظور وأصبحت آفاق الحرب أكثر ترجيحاً مما كانت عليه منذ أسابيع. ولكن الحرب كما يُعرف عنها قد تندلع من دون أن يعرف أي طرف كيف يغلقها وكيف يوقفها وكيف يمنع انتشارها وانتقال لهيبها إلى مواقع أخرى. هذا التخوف يبقى الخوف الأكبر من الاندلاع، وذلك لأن الحرب في العراق، وقبلها في فلسطين، وقبلها بين العراق وإيران، وقبلها بين الكثير من الدول لم تسر حسب التوقعات والحسابات والتحضيرات. الحروب لها منطقها وهو منطق مستقل عن مخططيها ومنفذيها ومنظريها.
إن الحرب الإيرانية – الأميركية بدأت الآن من خلال حرب البلدين ضد بعضهما البعض في العراق أولاً، ثم من خلال الاستعدادات الأميركية الجدية لتوجيه ضربة إلى إيران تنطلق من الجو، كما وتنطلق من دول أقرب لطهران كأذربيجان ودول أخرى في المحيط الآسيوي. كما أن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية التي تحفر في الأرض عشرين قدماً قبل أن تنفجر، موجهة أكثر قوتها، قد دخلت حيز الاستعداد. ومن الواضح أن القرار الأميركي قد أُخذ وأن الديبلوماسية في الأسابيع الماضية بما فيها العقوبات هي في جلها تحضيرات في هذا الاتجاه.
لهذا يمكن القول إن المنطقة أقرب في هذه المرحلة للحرب منها للسلم وأقرب للاستنزاف منها للبناء. فلو نظرنا إلى واقع المنطقة لوجدنا أن الحروب أكانت أهلية أو إقليمية أو دولية أصبحت أمراً اعتيادياً. فكل بضعة أعوام هناك حرب رئيسية وكل بضعة أعوام تنتقل الحرب من دولة إلى أخرى ومن موقع إلى آخر. ولو نظرنا من جهة أخرى لأقاليم أخرى في العالم لوجدنا مثلاً أن القارة الهندية والصينية وجنوب شرق آسيوية وأميركا اللاتينية لم تعد ترى الحروب، كما كانت منذ عقود. هكذا يسود السلم هذه المناطق بفضل تحوّل الاقتصاد إلى لب السياسة وتحوّل التنمية إلى جوهر الدور الذي تؤديه القيادات. ولا يخفى أن انتشار الديموقراطية في هذه المجتمعات خفف من الاحتقان الداخلي وساهم في السلم الإقليمي.
في الشرق وفي الدول الإسلامية والعربية يمثل الاحتقان الداخلي بين الفئات أحد أهم المخاطر وأكثرها تأثيراً، ويمثل التدخل الدولي أحد أهم الروافد المؤثرة في حال الحرب، كما يتداخل هذا مع العلاقات بين الدول أكان ذلك في مجال الصراع العربي – الإسرائيلي، أو في العلاقات العربية – العربية أو الإيرانية ـ العربية وهكذا. الحروب أمر مستمر في الشرق الأوسط، ومن الآن إلى أن نكون كحال أميركا اللاتنية وجنوب شرق آسيا ستشهد منطقتنا أكثر من حرب وأكثر من مواجهة. أما النتائج فستبقى رهن عوامل كثيرة يصعب تنبؤ آثارها وتداعياتها.