بيني وبين السياسة محاكم وقضايا نفقة، أكرهها وتكرهني من أول نظرة، يصيبني اكتئاب نصفي لو دار الحديث عن السياسة لقناعتي بعدم وجودها في الكويت، ولذا فحديثنا عنها نميمة، و«الغائب حجته معه»، ومع كل هذا تتراءى لي «الخبيثة» في البرد والحر، والعلانية والسر، فأخوض فيها خوض المضطر، وأهاجمها هجوم «المحترّ»، مع يقيني بأنها جبل، إن وقعت عليه حطمني، وإن وقع عليّ، فالسلام عليكم ورحمة الله.
وللزميل، الكبير فكرا، صالح الشايجي «مقولات» تستفز المخ وخلاياه النائمة، كلّ مقولة منها تقول للأخرى: «الزود عندي»… إحدى مقولاته: «لا صاحب للكاتب»، فالكاتب من وجهة نظر الزميل «مبدأه، صاحبه الوحيد»، من وافق هذا المبدأ فهو «صاحبي» لهذا اليوم، ومن عارضه فهو «خصمي» لهذا اليوم أيضا، بصرف النظر عن الأسماء، فصاحبي اليوم قد يكون خصمي غدا والعكس صحيح. متابعة قراءة بين الكاتب والنائب يفتح الله
الشهر: يناير 2008
أحداث الشرق الأوسط هذا العام!
ليس من السهولة بمكان أن نتوقع كيف سيكون مصير المنطقة هذا العام، ذلك أن المقدمات لهذا العام لا تبشر بالوضوح، كما أنها تساهم بمزيد من التوتر وليس العكس. هذا العام هو عام للتصادم بين المشاريع وبين التوجهات في كل دولة عربية وبين الدول العربية نفسها، وهو عام التصادم بين المشروع الأميركي والمشاريع الرافضة له. إن ما هو قائم اليوم يميل إلى الارتفاع في حدة التصادم بين الأقطاب والأطراف. فكل طرف يتواجه مع الآخر، وكل فئة تقاتل الأخرى، وكل جماعة تقف في المرصاد للجماعة الأخرى. إن ما يقع مرض عربي وإسلامي عارم يحيط بنا من باكستان وإيران، حتى بيروت والعراق وغزة والصومال والسودان. متابعة قراءة أحداث الشرق الأوسط هذا العام!
اللقاءات كبديل للاستجوابات
أكل اللحوم الحمراء أمر مسموح به في كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، إلا انه ليس من الحكمة في شيء اللجوء اليه متى ما ثبت انه يتسبب في الضرر الجسيم لمن يستخدمه كحال من لديه دهون في الدم أو مرض في القلب، ومن ثم فهناك «بديهية» تظهر ان السماح بالشيء لا يعني بالضرورة استعماله، هذا الأمر ينطبق كذلك على الاستجواب الذي وان أباحه الدستور، إلا ان ضرره الواضح على التنمية والوحدة الوطنية يعني وجوب استخدامه كآخر العلاج لا أوله، كما هو الأمر القائم منذ بدء العملية الديموقراطية حتى اليوم.
وتتسبب الاستجوابات والأزمات السياسية شئنا أم أبينا في عرقلة التنمية وتخلف الدول ولا أدل على ذلك من حال دول ديموقراطية عربية، كالعراق ولبنان والسودان والصومال، ابتليت بأزمات سياسية مشتعلة دائما وتنمية متوقفة ابدا، بل تظهر مؤشرات التنمية الاوروبية أن بلدان الأزمات السياسية المتكررة كما في ايطاليا واليونان هي الأقل انجازا مقارنة بالدول الاوروبية المستقرة سياسيا كحال سويسرا ولوكسمبرغ والنرويج وشمال اوروبا بشكل عام.
إن على ناخبينا الواعين أن يلوموا «بعض» النواب ممن يلجأون للاستجواب الكيدي أو المستعجل أو ما يهدفون من خلاله للتكسب الشخصي كونهم يعطلون قضايا التنمية في البلد ويتسببون في الضرر الفادح على المواطنين والناخبين (المتضرر الأكبر من ذلك التعطيل) بدلا من تشجيعهم والتصفيق لهم فرحين بما يسمى كذبا وزورا «عرس النائب» الذي هو في حقيقته «مأتم وطن» شبعنا من مواكب العزاء على قضايا التنمية فيه.
إن الاستجوابات القادمة والتي وُعدنا بها بعد عطلة الربيع ستقسم البلد مرة اخرى – شئنا أم أبينا – على معطى الفئوية كحال الاستجواب الأخير الذي لم يقصد بالقطع مؤيدوه او معارضوه المس بالوحدة الوطنية، إلا ان الشرخ قد تم والوقت هو وقت تضميد الجروح لا فتحها مرة أخرى.
إن استجوابا يقدم على معطى اعطاء الجنسية او يوجه لوزير التجارة سيقسم البلد مناطقيا «من تاني» لذا نطرح مقترح حل «اللقاءات بديلا للاستجوابات» كعلاج لهذين الاشكالين ومعروف ان الديموقراطيات المتقدمة «تبتكر» حلولا للاشكالات التي تواجهها.
إن بإمكان سعادة رئيس مجلس الأمة أن يرتب للقاء يضم سمو رئيس مجلس الوزراء والوزير المعني – وطاقم الوزارة إن لزم – والنائب الراغب في تقديم الاستجواب وممثلي الكتل الأربع، وعلى النائب المعني ان يقدم حججه وأدلته وبراهينه في ذلك اللقاء ويعطي بعد ذلك للوزير وطاقم وزارته مجالا للرد.
بعد سماع الرأي والرأي الآخر في غرف مغلقة وبعيدا عن الأضواء الإعلامية المؤججة يتم اتخاذ قرار من قبل المجتمعين، وجميعهم في العادة مخضرمون في السياسة ومشتهرون بالحكمة وحب الكويت، إما بتصحيح الوزير للأوضاع الخاطئة متى ما ثبت صحة طرح النائب أو اقناع النائب بسحب الاستجواب المزمع طرحه متى ما ثبت ان رد الوزير كان مقنعا للحضور، وبذا يمكن خلال ساعتين حل اشكالات توقف عادة حال البلد لمدة شهرين.
يتبقى ان امرا كهذا لا يعني عدم محاسبة المسؤولين التنفيذيين في مختلف المراكز الوظيفية، واول المبادئ التي تحتاج الى اصلاح وتصحيح: الاعتقاد الخاطئ السابق بأن الطعن في مسؤول ما يعني بالضرورة انتقاصا من مكانة من عيّنه، مما يضطره للدفاع عنه للرمق الأخير، ان على المسؤولين ان يكونوا اول المحاسبين لرجال السلطة التنفيذية وألا يسمحوا لهم بالوقوف على أكتافهم وسط بحور السياسة المتلاطمة فيغرقوا ويغرقوهم معهم وكم في بحرنا السياسي من ضحايا لمثل تلك المواقف الخاطئة!
آخر محطة:
الحل المقترح يعتمد على حقيقة ألا يوجد وزير قط يرغب في الوقوف على المنصة ومن ثم يتم اعطاؤه عبر اللقاء فرصة اخيرة لتصحيح الأخطاء لمنع الاستجواب، كذلك لا يوجد نائب قط يرغب في تصعيد الامور ووصولها لحل مجلس الأمة، ومن ثم فهناك كذلك فرصة اخيرة عبر ذلك اللقاء للوصول لحلول تستهدف قطف العنب لا قتل الناطور، وهناك فائدة أخرى لمثل تلك اللقاءات كونها ستكشف بشكل واضح وسريع من يدفع بعمليات التأزيم للتكسب الشخصي، حيث سينفضح أمام ممثلي الكتل البرلمانية وتصبح في حل من دعمه وتحقيق مطامعه.
السعر واللذة
قام انتونيو رانغل ومجموعة من العلماء الباحثين في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بمراقبة عدد من المشاركين في تجربة تتعلق بردات فعل الاشخاص العاديين في ما يتعلق باسعار مختلف البضائع والسلع، وقاموا عن طريق اجهزة تصوير وقياس دقيقة لانشطة المخ MRI بمراقبة الاجزاء المختصة بقياس الرضا واللذة والقبول في المخ، فوجدوا مثلا ظهور اشارات قبول اكثر عند تذوق المشروبات ذات السعر المرتفع، مقارنة بتلك التي تحمل اسعارا اقل قيمة، وهذا ما تم التأكد منه المرة تلو الاخرى، حتى بعد تغيير الاسعار على زجاجات الشراب، حيث اظهر العقل قبولا اكبر للاسعار الاعلى، رغم ان الشخص نفسه سبق ان رفض الشراب نفسه، عندما كان مسعرا بقيمة اقل.
وهذا ما اقنع انتونيو رانغل وزملاءه في المعهد بأن الانطباع لدى المستهلك او مستخدم السلعة عن السعر الاعلى يعني دائما جودة اعلى.. وفي سبيل الوصول الى هذه النتيجة قام انتونيو باختيار عينة من 20 شخصا، واخضعهم لاجهزة القياس الدقيقة، وقيل لهم انهم في سبيل تذوق خمسة انواع مختلفة من المشروبات بأسعار يختلف ايضا بعضها عن بعض، ولكن في الحقيقة لم يكن هناك غير ثلاثة انواع من المشروبات، اثنان منها من النوع نفسه، ولكن بسعرين مختلفين!
فزجاجة وضع لها سعر 90 دولارا، وعرضت اخرى، ومن النوع نفسه تماما، بسعر 10 دولارات! وثالثة تم تسعيرها على اساس 45 دولارا، بينما ثمنها الحقيقي لا يزيد على 5 دولارات.
اشارات مخ المتذوقين العشرين بينت ردود فعل ايجابية، ورضا اكبر، عن المشروبات ذات السعر المرتفع، حتى للنوع نفسه من الشراب، كما ابدوا قبولا واضحا للشراب الرخيص عندما قيم بسعر اعلى بكثير.
وهذا يدل على ان تغيير سعر بضاعة او صنف ما الى الاعلى يعني دائما قبولا اكثر لجودته ونوعيته. وهذا يعني ايضا انك اذا اردت ان تجد منتجاتك رواجا اعلى وتزداد مبيعاتك فما عليك سوى رفع السعر.
ولكن هذا ليس صحيحا بالمطلق بطبيعة الحال، فالامر يختص بسلع محددة وبالافراد ولا علاقة للشراء المؤسسي بالامر، حيث يخضع لاعتبارات عدة اخرى.
كما يجب ألا ننسى حقيقة انه احيانا كثيرة يكون مرتبطا بجودة اعلى، فليس كل ما هو رخيص جيد، والعكس صحيح ايضا، وبالتالي نحتاج الى تحكيم عدة امور قبل الاقدام على الشراء الصحيح، ولكن من يهتم بمثل هذه الامور عند شراء هدية لصديق او صديقة، او عند شراء عطر جذاب الرائحة، او ربطة عنق رائعة الالوان مثلا!
أحمد الصراف
المعسكران الجديدان: المواطن و«اللا» مواطن!
كثيرا ما يضع «بعض» المسئولين كتابات الصحافة التي تحدد مواطن الخلل والتقصير والفساد في خانة «إهانة الحكومة»! وأن هذا النوع من الطرح لا طائل من ورائه إلا الانتقاص من حكومتنا وإظهارها بمظهر الأداء السيئ، وذلك – بحسب ظنهم وقولهم – ليس إلا حالة من حال العداء المقصود والمتراكم لتحقيق مآرب «أخرى».
سيبقى هذا القول، محصورا في دائرة رأي مفرد، أو جمعي، لكنه في اتجاه واحد! هو ذاته الاتجاه الذي لا تريده الحكومة، وأعلنته القيادة في أكثر من مناسبة، أن الصحافة هي المرآة التي تعكس واقع الحال، وأن هذه الصحافة الوطنية هي شريك رئيسي مع الحكومة في التنبيه إلى مواقع الخلل، بكل مسئولية وأمانة، على ألا يكون ذلك على حساب المصلحة الوطنية بتقديم المصالح الشخصية تارة، والنوايا الخبيثة تارة أخرى، تحت شعار الولاء الحقيقي، الذي يفضح دائما الولاء المزيف لطائفة أو لقوى سياسية أو لخطاب ديني «صفوي» مرة، وحاقد مرات مرات!
ومهما يكن من أمر، فقد تسبب الخطاب المؤجج لبعض النواب وبعض الخطباء وبعض الناشطين السياسيين في إثارة حال من الصراع اليومي بدأ يزداد مع ظهور أنموذج جديد من «الوطنية» القائمة على لفت نظر الحكومة إلى شخص أو إلى جماعة أو إلى عينة من المسئولين أو الشخصيات على أنهم الرمز الحقيقي والمثال الأكيد المدافع عن مصلحة الوطن، أما من دونهم من المواطنين فليسوا سوى «قوة» خطرة تعمل في السر والعلن لتقويض الحكم والعبث بمقدرات الدولة والشعب.
ولعل في خطابات النائب الشيخ جاسم السعيدي ما يمكن اعتباره «دينامو» لتشغيل آلة الصراع الاجتماعي الطائفي بعيدا عن أصول رأب الصدع والالتزام بالأدوار الدينية والاجتماعية والوطنية في معالجة قضية حساسة أو اختلاف في وجهات النظر سواء كان ذلك الاختلاف على المسار الديني أو السياسي! فاتخاذ أسلوب الخطب التأجيجية في صلاة الجمعة وإصدار التصريحات الصحافية النارية هو منهج خاطئ من دون شك، وهذا الأمر ينطبق أيضا على غيره من النواب والخطباء والناشطين السياسيين.
ولعل الخطير الملفت، أن هذا الصراع المقيت، المخفي الظاهر، الضعيف القوي، الطيب الشرير، قد أفرز، أو قل، ضاعف من الإفراز الطائفي في المجتمع ليشكل بالتالي معسكرين جديدين: الأول، هو معسكر المواطن المخلص لبلده، والثاني هو «اللا» مواطن الذي ما فتئ يسعى جاهدا لتدمير المشروع الإصلاحي، وهو معسكر لن يرتاح أبدا إلا إذا رأى بأم عينيه البلد، وهي تسير نحو مفترق طرق، أو لنقل مثلما تطرح بعض الخطابات «الخروج على ولاة الأمر».
لا الحكومة ستجني الثمار من وراء هذا اللغط، ولا المواطنين، أيا كان انتماؤهم المذهبي، فالدلائل الواضحة على أرض الواقع تؤكد أن المجتمع مهدد! وهذا التهديد مرده الى الخطابات التفتيتية من كل الأطراف التي تعي ما تفعل أو لا تعي… إذا، ما الحل؟
الحل في ألا تسمح الحكومة بنجاح أية محاولة لزيادة أعداد المنضمين إلى المعسكرين الجديدين: المواطن و «اللا» مواطن، فالدستور يقول إن المواطنين سواسية، وعدا ذلك، من ممارسات تخالف العرف الاجتماعي وتتعدى القوانين، فإن للدولة الحق في تقديم كل من تجاوز حدوده للمساءلة القانونية… ولوزارة العدل والشئون الإسلامية الحق في محاسبة الخطباء والأئمة إن ثبت عليهم الخطأ، وللسلطة التشريعية الحق في ملاحقة من يثبت عليهم الفساد والإضرار بالبلد… أما إن تركت كل القضايا للخطاب الديني اللامسئول أو للتصريحات الصحافية ذات الأبعاد البطولية، فقل… سلاما سلاما
نشرة توفيق
أرسل لي صديق من غير محددي الجنسية، الذي أعتبره، ولأسباب عدة، كويتيا أكثر من غيره، صورة عن صفحة من الجريدة الرسمية «الكويت اليوم» للعام 1957، أي قبل خمسين عاما، تضمنت إحصائية طريفة لتعداد سكان الكويت في تلك السنة.
ورد في النشرة، الصادرة عن دائرة الشؤون الاجتماعية، حيث لم تكن هناك دائرة للتخطيط، وياليتنا بقينا من غيرها، بيانات تفصيلية عن توزيع السكان، كويتيين وغير ذلك، في كل مدينة وقرية، وحسب جنس وديانة كل فرد وجنسيات الأجانب وتوزيعاتهم العمرية وحالاتهم العلمية والأسرية.. وهذا ما لا تعرفه الحكومة الآن بشكل دقيق على الرغم من كل ما طرأ من تقدم علمي ومرور نصف قرن!.
تبين الجداول – مثلا – أن عدد الكويتيين كان 113 ألفا في العام 1957، وكان عدد الذكور أعلى من الإناث، وهذا عكس الوضع حاليا، وربما يعود السبب الى عدم دقة عملية الإحصاء من جهة، وربما تردد المواطنين في الإعلان عن عدد الإناث لديهم! ولو قمنا بمقارنة عدد الكويتيين بغيرهم، لوجدنا أن نسبتهم 54% من السكان! ولكن نسبتهم الآن ربما قلت، لتصبح ربما27% فقط!
كان العراقيون وقتها، وبقوا لفترة طويلة، أكبر جالية بعدد 26 ألفاً يليهم الإيرانيون بعدد 19 ألفا. أما اللبنانيون فقد جاءوا في المرتبة 4 بعدد 7 آلاف، أي 6% من الكويتيين. أما نسبتهم الآن، وبعد كل محنهم ومآسيهم، فقد انخفضت إلى 5% فقط، وهذا غريب حقا.
عدد الهنود والباكستانيين، وكل جنسيات دول جنوب شرق آسيا، لم يتعد وقتها 7 آلاف بكثير، ويبلغ الآن ربما أكثر من 700 ألف! أما عدد الفلسطينيين، فقد بلغ الذروة بعدد يقارب نصف المليون قبل الغزو، لينخفض مع الاحتلال وبعد التحرير إلى 25 ألفا، وكان 15 ألفا فقط في عام 1957.
الطريف في النشرة أنها ذكرت وجود 23 استرالياً و7 كنديين و164 اميركياً و2361 انكليزياً و600 أوروبي آخرين، وربما كانوا في غالبيتهم يعملون في الصناعة النفطية.
ومن الأمور اللافتة للنظر، والمحيرة والمقلقة في الوقت نفسه، أن الكشف تضمن ذكرا لوجود 443 عرباً آخرين، منهم 408 ذكور والبقية إناث، مما يعني تواجد هؤلاء منذ فترة، وتزاوجهم، وربما كانوا نواة مشكلة غير محددي الجنسية التي تعاني الآن منها الدولة برمتها!.
النشرة تتضمن أمورا طريفة كثيرة أخرى وتحتاج الى باحث نشط، ليقوم بإجراء المقارنات بين توزيعات السكان حاليا وما كانت عليه الحال قبل نصف قرن، لكي نتعلم منها الكثير.
ولكن هل يوجد بيننا من يهتم بدراسة هذه التغيرات الديموغرافية؟ وإن وجد في أي من جامعاتنا العظيمة فمن سيهتم بذلك، وهل هم على استعداد لقبول احتمال دفن نتيجة تلك الدراسة في أحد أدراج كبار مسؤولينا، ان لم تنته في سلة المهملات؟ من دون أن يقلق أو يهتم بما سيرد فيها من معلومات مقلقة ومخجلة، ومضحكة في الوقت نفسه، وربما لهذه الأسباب بالذات، فمن المؤكد أن كثيرين لا يودون أن تقلق نتائج هذه المقارنات الرقيقة من مشاعرهم!
أحمد الصراف
تكفون يا عيال
عام 98، إن لم تخني الذاكرة، كان آخر تهديد عسكري فعلي من صدام حسين للكويت، وبعد هذا التاريخ انشغل صدام في نفسه وكرسيّه وترك الكويت… حينذاك تقدمت الفرق العسكرية الصدامية واحتلت مواقعها الهجومية، فتقدمت القوات الكويتية واحتلت مواقعها الدفاعية. كنا الأحدث أسلحة والأقوى نيرانا والأفضل تدريبا، أما من ناحية العدد البشري فكما يعلم الجميع، لا مقارنة لنا بهم، كانوا أضعاف أضعافنا، لكن المسألة بالنسبة لنا مسألة «بقاء أو فناء بلدنا»، وبالنسبة لهم مجرد مغامرة لرئيسهم من بين عشرات المغامرات.
ولو كنت أعرف رقم موبايل صدام يومذاك لبعثت له برسالة شكر على إتاحته الفرصة لمعادننا بالظهور على حقيقتها الناصعة، فقد تدفق الآلاف من المتطوعين من كل الشرائح والأعمار بصورة أذهلتنا نحن العسكريين، كان تزاحما ما بعده تزاحم، شباب ومسنّون، سنة وشيعة، حضر وبدو، الكتف بالكتف، يتسابقون للصعود في حافلات نقل الجنود المتجهة إلى الجبهة. وهنا، أتذكر موقفا غاية في الغرابة، عندما صدرت الأوامر «من جهات عليا»، كما قيل لنا يومها، بأن يتقدم أبناء الأسرة الحاكمة للخطوط الأمامية مباشرة ومن دون «جرعات التدريب»، وهو ما تم بالفعل. متابعة قراءة تكفون يا عيال
برقية تسقط عاصمة عربية!
نبارك لسورية الشقيقة اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية، والحقيقة ان سورية، الرقم الصعب هذه الايام، لم تكن كذلك في مراحل تاريخية من تطورها الحديث، بل اشتهر في الخمسينيات ما سمي بـ «الصراع على سورية»، حيث تجاذبتها قوى مؤثرة ارادت اما ضمها للعراق او للتحالف مع تركيا او للوحدة مع مصر.
ادى تبني حكومة الاتحاد والترقي في تركيا للنهج الطوراني المتشدد وبعدها عن الحكم بالشريعة الاسلامية وتكفير بعض العلماء لها، وتحولها للنهج الدستوري في 23/7/1908، وهزائم جيوشها امام دول البلقان ولجوء القائد جمال السفاح لارسال احرار العرب للمشانق في بيروت ودمشق وارسال نسائهم واطفالهم كسبايا الى الاناضول، لقيام الثورة العربية الكبرى عام 1916 ضد الاتراك بعد ان شارك العرب في الحرب مع تركيا ابان العام الاول من الحرب الكونية الاولى، وقد توقفوا مع بدء الاعدامات اي في عام 1915.
هزمت تركيا في الحرب الكونية ودخل الامير فيصل بن الحسين دمشق على رأس جيشه العربي وتوّج ملكا على الدولة العربية الناشئة فيها، وقد تلا ذلك اعلان الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان وارسل الجنرال غورو انذارا للملك فيصل تضمن طلبه بحل الجيش العربي وقبول الانتداب ووقف المقاومة المسلحة وتسليم محطات السكة الحديدية، على ان يأتي القبول قبل منتصف ليلة الثلاثاء 20/6/1920 وإلا امر قواته باحتلال دمشق.
اعلن البرلمان العربي السوري رفضه للانذار وارسل الملك فيصل وزير المعارف ساطع الحصري للتفاهم مع غورو على بدائل اخرى، كما ارسل وزيري الداخلية والدفاع هاشم الاتاسي ويوسف العظمة لاقناع البرلمان بقبول الانذار حقنا للدماء وزايدت الاحزاب على بعضها البعض في الرفض ونزلت الجماهير للشوارع بحثا عن السلاح للمقاومة، فتصدت لها قوات الامير زيد وسقط 200 قتيل، كما بدأت الوزارة في يوم الاثنين 19/6 بانجاز الخطوات اللازمة لقبول الانذار فسرحت الجيش وعطلت اعمال البرلمان لمدة شهرين.
وعقدت الوزارة الساعة السادسة من مساء الثلاثاء 20/6 (اليوم الاخير للانذار) اجتماعا تمخض عن صدور قرار بارسال برقية للجنرال غورو تخبره بقبول الانذار، وقد استلم موظفو البريد والبرق في دمشق الساعة السابعة والنصف مساء من مديرهم حسن بك الحكيم البرقية كي يرسلوها قبل منتصف الليل، الا ان التباسا حدث خاصة انها لم تكن مصحوبة بالمال اللازم لارسالها، مما جعلها تأخذ الدور العادي دون اولوية في الارسال، ما نتج عنه تحريك غورو لقواته في الصباح وعدم قبوله للايضاح المتأخر حول اشكال ارسال البرقية.
تقدمت القوات الفرنسية التي يفوق عددها 9 آلاف جندي (ثلاثة اضعاف المدافعين) كان اغلبهم من المغاربة والجزائريين والسنغاليين، كما ان مخابرات الجيش كانت تتكون من اللبنانيين نحو «ميسلون» التي تقع على بعد 28 كلم من دمشق مدججة بالاسلحة والطائرات، وطلب الملك فيصل من رافضي الانذار ان يثبتوا مصداقيتهم بالصمود امام الجيش الزاحف، وحدث حوار مثير بين الملك ووزير دفاعه يوسف العظمة، حيث حثه وزير الدفاع على اعادة الاتصال مع غورو وقبول الانذار، فسأله الملك لماذا كنت تصر اذن على الحرب، فأجابه الوزير بأنه كان يعمل «مناورة» على الفرنسيين، فقال له الملك يجب الموت ما دامت الحالة قد وصلت الى هذا الحد، فأجابه الوزير انت اذن تأمرني بالموت، ويجب ان نموت شرفاء، وقد قتل الوزير برصاصة الساعة الحادية عشرة صباح يوم المعركة في 24/6/1920 عندما كان واقفا يراقب المعركة فوق تلة بعد ان حاول مرافقه العسكري ياسين جابي ان يقنعه بعدم الوقوف وتعريض جسمه للرصاص.
بعد دخول الجنرال غورو دمشق اعلن انشاء دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويين ودولة الدروز، فأعلن على الفور الشيخ العلوي صالح العلي رفضه لقيام دولة علوية، وقام بثورة متصلة ضد الفرنسيين لمدة قاربت الاربع سنوات متحالفا مع الشيخ ابراهيم هنانو الكردي وعزالدين القسام، كما اعلن الامير الدرزي سلطان الاطرش ثورته السورية الكبرى رافضا كذلك مشروع الدولة الدرزية، وقد تكللت تلك الثورات المجيدة بوحدة التراب السوري واعلان الاستقلال عن فرنسا في عام 1943 وتم تسطير صفحة مضيئة اخرى من تاريخ العروبة المجيد في بلداننا.
متى المعاشات؟
هذا هو أسبوع السؤال الجميل…
والسائل يجلس على أحر من الجمر، والمجيب أيضا ربما أحب الإجابة وعشقها طالما كانت إيجابية «نزلوه في البنك»، وربما دارت عليه الدوائر واسودت الدنيا في وجهه وهو يقول: «للحين ما في شي… يمكن باجر»! ويا ويله، الزميل أو الزميلة، حين يقدمون معلومة خاطئة عن نزول الرواتب في الحساب، وهي لم تنزل بعد… وخصوصا في بعض المؤسسات والشركات في القطاع الخاص! متى المعاشات؟
سؤال مسموع بين آلاف الناس أواخر كل شهر… لكنه يخفي وراءه الكثير مما يمكن أن يجعلنا نشعر بالفجيعة، ونستذكر المئتي دينار حدا أدنى للأجور، ونحلم بصدور قرار رفع العلاوة الاجتماعية 50 في المئة، وننتظر إضافات يقول البعض عنها 50 والبعض يقول 70 والبعض الثالث يقول «لا تحلمون»، كبدل لمواجهة غلاء المعيشة… وتصغر الأصفار أو تكبر طبقا لحجم الحلم، لكن الله يعلم، أن أهل البحرين ليسوا جشعين وليسوا طماعين ولا يريدون غير الستر!
لا يريد أن يضرب رب الأسرة رأسه «في الطوفة» بعدما يوزع المعاش الذي يقولون عنه في البحرين دائما «ما عاش»… الله يرحمه ويتغمد بواسع فضله! ولا يريد أن يريق ماء وجهه «رايح جاي» مرة إلى بنك الإسكان، ومرة إلى أحد المصارف، ومرة إلى لا أعرف أين، فقط ليجد وسيلة ما تعينه على تغطية النفقات المتزايدة…
وكما حدثنا فيلسوف عصره وزمانه، أبو القروض ميسرة بن مصرف الإفلاسي: «لو كان الجيب ممتلئا، والقلب مطمئنا، والأهل في راحة، لما سمعت سلندرا ينفجر، أو تايرا يحترق، أو برنوصا تتلحف به جيدا فلا يدفئك، وسيمشي الناس باعتزاز وتحيات وافرات، بلا مصايب وبلا مسيرات وبلا مظاهرات»! متى المعاشات؟
ربما سيتسلم بعضنا راتبه اليوم، وربما غدا وربما بعد أسبوع، وربما – ضعوا تحتها خطين – بعد عشرة أو خمسة عشر يوما! وهذا يحدث! تخيلوا كيف تعيش الأسر التي تتأخر رواتب معيليها!
نريد أن نحيا ونموت بكرامة، لكن «المعاش» يلعب فينا لعب الرحى! بعضنا يعمل من الصباح حتى المساء في أشد الظروف، وبعضنا الآخر يعمل في وظيفتين وليس لديه وقت حتى للجلوس مع أطفاله وممارسة شئون الحياة الاجتماعية، وبعضنا يخرج من عمل مرهق ليمارس عملا شاقا… فيما تعمل بعض الزوجات والأبناء والبنات لتكتمل حفلة آخر الشهر: الأب معاشه 200 –300 دينار – الأم: 250 – البنت: 80 دينارا في صالون حلاقة – الابن: 160 دينارا حارس أمن في إحدى الشركات، ويصبح المجموع قرابة 800 دينار!
حلو، خير وبركة، والآن جاء دور العملية الجراحة الخطيرة التي سيتم من خلالها تركيب مدخول أسرة قدره 800 دينار ليلائم مصروفها الذي يتجاوز 1300 دينار وربما أكثر… والغريب أن هذه العملية لا يستخدم فيها إلا المشرط والمقص… أما خيوط الترقيع ولاصقات «البلاستر» فلا مكان لها هنا…
لكن، تعالوا، متى المعاش؟
الجدل… أن تغني فيروز في دمشق؟
أن تغني فيروز في دمشق يعني أن اثر لبنان هو الآخر قائم وممتد إلى دمشق، كما أنه يعني أن اثر دمشق يبقى قائماً في لبنان بما يتجاوز الصراع السياسي والاختلاف عليه. التفاعل بين البلدين، مهما كان حجم الأخطاء التي ارتكبت في السياسة، يجب ألا يتحول إلى مقاطعة تصل الى الثقافة والعلاقات والتواصل. فالثقافة يجب ألا تتأثر بتبعات السياسة، لأن ما وقع سببته السياسة ولم تسببه الثقافة والاقتصاد والمواطنون في كلا البلدين. في العلاقات اللبنانية ـ السورية ستبقى الجغرافيا، وسيبقى الامتداد والتواصل بين البلدين مضامين خاصة. فإلى أن ينتهي التحقيق في مقتل رئيس الوزراء السابق الحريري يجب ألا تكون المقاطعة الثقافية والإنسانية والمعنوية، وحتى السياسية أساس العلاقة بين البلدين. فلغة المقاطعة ساهمت في تأخير العرب وحدت من آفاق تطورهم. لقد أصابت فيروز في غنائها في دمشق، فهي تغني للبنان كما تغني لسورية وللعرب كلهم، بغض النظر عن السياسة والسياسيين، وفي هذا نجدها تغني لصالح الفن والتواصل بين الناس. في غنائها ما يخفف من الاحتقان والتباعد ويمهد لآفاق قد تشمل البلدين، رغم ما حصل كله ما فيه من سلبيات وتجاوزات. متابعة قراءة الجدل… أن تغني فيروز في دمشق؟