مع حلول الذكرى الثانية لتسلم سمو أمير البلاد المفدى الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم في البلاد يلحظ الجميع قفزات حضارية مميزة الى الأمام شهدتها تلك الفترة الزمنية القصيرة كاطلاق الحريات الصحافية وتعديل الدوائر الانتخابية وغيرهما من مكاسب وطنية تضاف الى سجل سموه الناصع ابان فترة توليه رئاسة الوزارة بالتفويض وبالاصالة وقبلها تولي وزارة الخارجية والادارات العامة في الدولة منذ الصغر.
وإلى جانب الانجاز العام هناك الجانب الشخصي والانساني الرائع لصاحب السمو الأمير حفظه الله يعلم به من عرف سموه عن قرب أو اشتغل معه والذي قد يخفى على البراعم الكويتية الناشئة بسبب صغر السن واتساع رقعة العمران وزيادة عدد السكان مما قد يحول دون اطلاعها على تلك الجوانب المضيئة لسموه.
وأول ما يلفت النظر في سموه تواضعه الجم ووفاؤه وكراهيته الشديدة للكبر والتصنع، ومن دلالات ذلك قضاء سموه عطلاته في الحداق على سواحل عمان بدلا من التوجه لشواطئ الاثرياء ومنتجعات الأغنياء كالسواحل الفرنسية أو الجبال السويسرية أو بحور الكاريبي وغيرها.
وفي هذا يذكر سموه للاعلامي يوسف الجاسم في لقائهما الاعلامي الشهير على الطائرة أنه كان وأصدقاؤه السبعة يعيشون في غرفة واحدة على ذلك الساحل العماني المتواضع حيث يتولون شؤون أنفسهم بأنفسهم، كما ان سموه هو من يقوم شخصيا بتحضير عدة الحداق والاعتناء بصيده، وان اكثر ما يحبه في الحياة هو البساطة الشديدة والبعد عن التعقيد.
وصاحب السمو الأمير حفظه الله هو رجل حسم وحزم من الطراز الأول حيث يترك سموه عادة المجال وبكل رحابة صدر للآخرين للحديث المسهب والديموقراطي عن القضية المطروحة وشرح المواقف المتباينة، الا ان سموه لا يترك بعد ذلك الأمور سائبة بل يتبعها بقرار يحسم الأمور ويعيدها لنصابها الصحيح.
ويهتم سموه كثيرا بالخيار الاستراتيجي بعيد المدى، فلا يبحث عن الكسب الآني المدغدغ على حساب المصلحة العامة كما يفعل بعض الساسة ومن ذلك عدم رضاه بأن تقاس الأمور بالحسابات الرياضية البسيطة، بل يجب ان تضاف اليها المكاسب طويلة المدى للكويت وشعب الكويت، وهو ما كان خلف دعم سموه لعلاقات الكويت المتوازنة بين الشرق والغرب ودعمه للاخوة في الخليج والتي حصدنا مكاسبها اضعافا مضاعفة ابان رفع الاعلام الأميركية والسوفييتية على ناقلاتنا النفطية، ومرة اخرى عند اتفاق الشرق والغرب كحالة استثنائية في التاريخ على تحرير الكويت ومعها تسخير الأشقاء الخليجيين أرضهم وماءهم وسماءهم خدمة لذلك الهدف السامي مما قصر معاناتنا الى الحدود الدنيا وأنجز تحريرنا خلال 6 أشهر.
ولا يكتفي سموه بتحديد الاهداف ثم تركها للآخرين لتطبيقها بل يتبع دائما القول بالفعل عبر التحرك الديناميكي الذي يصل الليل بالنهار للوصول إلى الانجاز وهو ما كان يفعله ابان اهتمام سموه بالشأن العربي والعالمي حيث لم يعرف عنه توكيل الأمور للوزراء أو السفراء بل كان يتابع القضايا بنفسه مستقلا الطائرة من بلد إلى آخر حتى يتحقق الهدف ويحل الاشكال.
وقد استخدم سموه نفس منهاجية الديناميكية الذاتية في حل الاشكالات السياسية الداخلية – كما حدث قبل ايام قليلة – حيث دعا الاطراف المعنية ولم يخرجوا من مجلس سموه الا وقد حل الاشكال تماما مع متابعة لاحقة لصيقة مستعدة للتدخل في أي وقت لتذليل العقبات التي تطرأ تباعا، ان تلك الديناميكية والنظرة الاستراتيجية البعيدة والقدرة الدائمة على الحسم هي وصفة ناجحة من سمو الامير، حفظه الله، جربها في الخارج فنجحت واستخدمها في الداخل فاطفئت اكثر من مرة الأزمات الحادة المتلاحقة والنيران السياسية المشتعلة.
آخر محطة:
وضمن سيرة حياة سموه يتضح تفعيله الدائم لدورين مهمين أولهما دور «راعي السلم العالمي» لقضايا الخارج، ولو أنصف المجتمع الدولي لقلده أو رشحه لجائزة نوبل للسلام كونه أكثر استحقاقا لها من شخصيات حصدتها رغم ما عرف عنها من مشاركتها في الحروب وقتل الأبرياء، كياسر عرفات وشيمون بيريز واسحاق رابين ومناحيم بيغن.. إلخ، والدور الآخر هو «الاطفائي الفاعل» لاشكالات الداخل، وهذان الدوران لا يتقلدهما أو يتمكن منهما الا رجال الدولة من الطراز الفريد.