بيني وبين السياسة محاكم وقضايا نفقة، أكرهها وتكرهني من أول نظرة، يصيبني اكتئاب نصفي لو دار الحديث عن السياسة لقناعتي بعدم وجودها في الكويت، ولذا فحديثنا عنها نميمة، و«الغائب حجته معه»، ومع كل هذا تتراءى لي «الخبيثة» في البرد والحر، والعلانية والسر، فأخوض فيها خوض المضطر، وأهاجمها هجوم «المحترّ»، مع يقيني بأنها جبل، إن وقعت عليه حطمني، وإن وقع عليّ، فالسلام عليكم ورحمة الله.
وللزميل، الكبير فكرا، صالح الشايجي «مقولات» تستفز المخ وخلاياه النائمة، كلّ مقولة منها تقول للأخرى: «الزود عندي»… إحدى مقولاته: «لا صاحب للكاتب»، فالكاتب من وجهة نظر الزميل «مبدأه، صاحبه الوحيد»، من وافق هذا المبدأ فهو «صاحبي» لهذا اليوم، ومن عارضه فهو «خصمي» لهذا اليوم أيضا، بصرف النظر عن الأسماء، فصاحبي اليوم قد يكون خصمي غدا والعكس صحيح. متابعة قراءة بين الكاتب والنائب يفتح الله
اليوم: 27 يناير، 2008
أحداث الشرق الأوسط هذا العام!
ليس من السهولة بمكان أن نتوقع كيف سيكون مصير المنطقة هذا العام، ذلك أن المقدمات لهذا العام لا تبشر بالوضوح، كما أنها تساهم بمزيد من التوتر وليس العكس. هذا العام هو عام للتصادم بين المشاريع وبين التوجهات في كل دولة عربية وبين الدول العربية نفسها، وهو عام التصادم بين المشروع الأميركي والمشاريع الرافضة له. إن ما هو قائم اليوم يميل إلى الارتفاع في حدة التصادم بين الأقطاب والأطراف. فكل طرف يتواجه مع الآخر، وكل فئة تقاتل الأخرى، وكل جماعة تقف في المرصاد للجماعة الأخرى. إن ما يقع مرض عربي وإسلامي عارم يحيط بنا من باكستان وإيران، حتى بيروت والعراق وغزة والصومال والسودان. متابعة قراءة أحداث الشرق الأوسط هذا العام!
اللقاءات كبديل للاستجوابات
أكل اللحوم الحمراء أمر مسموح به في كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، إلا انه ليس من الحكمة في شيء اللجوء اليه متى ما ثبت انه يتسبب في الضرر الجسيم لمن يستخدمه كحال من لديه دهون في الدم أو مرض في القلب، ومن ثم فهناك «بديهية» تظهر ان السماح بالشيء لا يعني بالضرورة استعماله، هذا الأمر ينطبق كذلك على الاستجواب الذي وان أباحه الدستور، إلا ان ضرره الواضح على التنمية والوحدة الوطنية يعني وجوب استخدامه كآخر العلاج لا أوله، كما هو الأمر القائم منذ بدء العملية الديموقراطية حتى اليوم.
وتتسبب الاستجوابات والأزمات السياسية شئنا أم أبينا في عرقلة التنمية وتخلف الدول ولا أدل على ذلك من حال دول ديموقراطية عربية، كالعراق ولبنان والسودان والصومال، ابتليت بأزمات سياسية مشتعلة دائما وتنمية متوقفة ابدا، بل تظهر مؤشرات التنمية الاوروبية أن بلدان الأزمات السياسية المتكررة كما في ايطاليا واليونان هي الأقل انجازا مقارنة بالدول الاوروبية المستقرة سياسيا كحال سويسرا ولوكسمبرغ والنرويج وشمال اوروبا بشكل عام.
إن على ناخبينا الواعين أن يلوموا «بعض» النواب ممن يلجأون للاستجواب الكيدي أو المستعجل أو ما يهدفون من خلاله للتكسب الشخصي كونهم يعطلون قضايا التنمية في البلد ويتسببون في الضرر الفادح على المواطنين والناخبين (المتضرر الأكبر من ذلك التعطيل) بدلا من تشجيعهم والتصفيق لهم فرحين بما يسمى كذبا وزورا «عرس النائب» الذي هو في حقيقته «مأتم وطن» شبعنا من مواكب العزاء على قضايا التنمية فيه.
إن الاستجوابات القادمة والتي وُعدنا بها بعد عطلة الربيع ستقسم البلد مرة اخرى – شئنا أم أبينا – على معطى الفئوية كحال الاستجواب الأخير الذي لم يقصد بالقطع مؤيدوه او معارضوه المس بالوحدة الوطنية، إلا ان الشرخ قد تم والوقت هو وقت تضميد الجروح لا فتحها مرة أخرى.
إن استجوابا يقدم على معطى اعطاء الجنسية او يوجه لوزير التجارة سيقسم البلد مناطقيا «من تاني» لذا نطرح مقترح حل «اللقاءات بديلا للاستجوابات» كعلاج لهذين الاشكالين ومعروف ان الديموقراطيات المتقدمة «تبتكر» حلولا للاشكالات التي تواجهها.
إن بإمكان سعادة رئيس مجلس الأمة أن يرتب للقاء يضم سمو رئيس مجلس الوزراء والوزير المعني – وطاقم الوزارة إن لزم – والنائب الراغب في تقديم الاستجواب وممثلي الكتل الأربع، وعلى النائب المعني ان يقدم حججه وأدلته وبراهينه في ذلك اللقاء ويعطي بعد ذلك للوزير وطاقم وزارته مجالا للرد.
بعد سماع الرأي والرأي الآخر في غرف مغلقة وبعيدا عن الأضواء الإعلامية المؤججة يتم اتخاذ قرار من قبل المجتمعين، وجميعهم في العادة مخضرمون في السياسة ومشتهرون بالحكمة وحب الكويت، إما بتصحيح الوزير للأوضاع الخاطئة متى ما ثبت صحة طرح النائب أو اقناع النائب بسحب الاستجواب المزمع طرحه متى ما ثبت ان رد الوزير كان مقنعا للحضور، وبذا يمكن خلال ساعتين حل اشكالات توقف عادة حال البلد لمدة شهرين.
يتبقى ان امرا كهذا لا يعني عدم محاسبة المسؤولين التنفيذيين في مختلف المراكز الوظيفية، واول المبادئ التي تحتاج الى اصلاح وتصحيح: الاعتقاد الخاطئ السابق بأن الطعن في مسؤول ما يعني بالضرورة انتقاصا من مكانة من عيّنه، مما يضطره للدفاع عنه للرمق الأخير، ان على المسؤولين ان يكونوا اول المحاسبين لرجال السلطة التنفيذية وألا يسمحوا لهم بالوقوف على أكتافهم وسط بحور السياسة المتلاطمة فيغرقوا ويغرقوهم معهم وكم في بحرنا السياسي من ضحايا لمثل تلك المواقف الخاطئة!
آخر محطة:
الحل المقترح يعتمد على حقيقة ألا يوجد وزير قط يرغب في الوقوف على المنصة ومن ثم يتم اعطاؤه عبر اللقاء فرصة اخيرة لتصحيح الأخطاء لمنع الاستجواب، كذلك لا يوجد نائب قط يرغب في تصعيد الامور ووصولها لحل مجلس الأمة، ومن ثم فهناك كذلك فرصة اخيرة عبر ذلك اللقاء للوصول لحلول تستهدف قطف العنب لا قتل الناطور، وهناك فائدة أخرى لمثل تلك اللقاءات كونها ستكشف بشكل واضح وسريع من يدفع بعمليات التأزيم للتكسب الشخصي، حيث سينفضح أمام ممثلي الكتل البرلمانية وتصبح في حل من دعمه وتحقيق مطامعه.
السعر واللذة
قام انتونيو رانغل ومجموعة من العلماء الباحثين في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا بمراقبة عدد من المشاركين في تجربة تتعلق بردات فعل الاشخاص العاديين في ما يتعلق باسعار مختلف البضائع والسلع، وقاموا عن طريق اجهزة تصوير وقياس دقيقة لانشطة المخ MRI بمراقبة الاجزاء المختصة بقياس الرضا واللذة والقبول في المخ، فوجدوا مثلا ظهور اشارات قبول اكثر عند تذوق المشروبات ذات السعر المرتفع، مقارنة بتلك التي تحمل اسعارا اقل قيمة، وهذا ما تم التأكد منه المرة تلو الاخرى، حتى بعد تغيير الاسعار على زجاجات الشراب، حيث اظهر العقل قبولا اكبر للاسعار الاعلى، رغم ان الشخص نفسه سبق ان رفض الشراب نفسه، عندما كان مسعرا بقيمة اقل.
وهذا ما اقنع انتونيو رانغل وزملاءه في المعهد بأن الانطباع لدى المستهلك او مستخدم السلعة عن السعر الاعلى يعني دائما جودة اعلى.. وفي سبيل الوصول الى هذه النتيجة قام انتونيو باختيار عينة من 20 شخصا، واخضعهم لاجهزة القياس الدقيقة، وقيل لهم انهم في سبيل تذوق خمسة انواع مختلفة من المشروبات بأسعار يختلف ايضا بعضها عن بعض، ولكن في الحقيقة لم يكن هناك غير ثلاثة انواع من المشروبات، اثنان منها من النوع نفسه، ولكن بسعرين مختلفين!
فزجاجة وضع لها سعر 90 دولارا، وعرضت اخرى، ومن النوع نفسه تماما، بسعر 10 دولارات! وثالثة تم تسعيرها على اساس 45 دولارا، بينما ثمنها الحقيقي لا يزيد على 5 دولارات.
اشارات مخ المتذوقين العشرين بينت ردود فعل ايجابية، ورضا اكبر، عن المشروبات ذات السعر المرتفع، حتى للنوع نفسه من الشراب، كما ابدوا قبولا واضحا للشراب الرخيص عندما قيم بسعر اعلى بكثير.
وهذا يدل على ان تغيير سعر بضاعة او صنف ما الى الاعلى يعني دائما قبولا اكثر لجودته ونوعيته. وهذا يعني ايضا انك اذا اردت ان تجد منتجاتك رواجا اعلى وتزداد مبيعاتك فما عليك سوى رفع السعر.
ولكن هذا ليس صحيحا بالمطلق بطبيعة الحال، فالامر يختص بسلع محددة وبالافراد ولا علاقة للشراء المؤسسي بالامر، حيث يخضع لاعتبارات عدة اخرى.
كما يجب ألا ننسى حقيقة انه احيانا كثيرة يكون مرتبطا بجودة اعلى، فليس كل ما هو رخيص جيد، والعكس صحيح ايضا، وبالتالي نحتاج الى تحكيم عدة امور قبل الاقدام على الشراء الصحيح، ولكن من يهتم بمثل هذه الامور عند شراء هدية لصديق او صديقة، او عند شراء عطر جذاب الرائحة، او ربطة عنق رائعة الالوان مثلا!
أحمد الصراف
المعسكران الجديدان: المواطن و«اللا» مواطن!
كثيرا ما يضع «بعض» المسئولين كتابات الصحافة التي تحدد مواطن الخلل والتقصير والفساد في خانة «إهانة الحكومة»! وأن هذا النوع من الطرح لا طائل من ورائه إلا الانتقاص من حكومتنا وإظهارها بمظهر الأداء السيئ، وذلك – بحسب ظنهم وقولهم – ليس إلا حالة من حال العداء المقصود والمتراكم لتحقيق مآرب «أخرى».
سيبقى هذا القول، محصورا في دائرة رأي مفرد، أو جمعي، لكنه في اتجاه واحد! هو ذاته الاتجاه الذي لا تريده الحكومة، وأعلنته القيادة في أكثر من مناسبة، أن الصحافة هي المرآة التي تعكس واقع الحال، وأن هذه الصحافة الوطنية هي شريك رئيسي مع الحكومة في التنبيه إلى مواقع الخلل، بكل مسئولية وأمانة، على ألا يكون ذلك على حساب المصلحة الوطنية بتقديم المصالح الشخصية تارة، والنوايا الخبيثة تارة أخرى، تحت شعار الولاء الحقيقي، الذي يفضح دائما الولاء المزيف لطائفة أو لقوى سياسية أو لخطاب ديني «صفوي» مرة، وحاقد مرات مرات!
ومهما يكن من أمر، فقد تسبب الخطاب المؤجج لبعض النواب وبعض الخطباء وبعض الناشطين السياسيين في إثارة حال من الصراع اليومي بدأ يزداد مع ظهور أنموذج جديد من «الوطنية» القائمة على لفت نظر الحكومة إلى شخص أو إلى جماعة أو إلى عينة من المسئولين أو الشخصيات على أنهم الرمز الحقيقي والمثال الأكيد المدافع عن مصلحة الوطن، أما من دونهم من المواطنين فليسوا سوى «قوة» خطرة تعمل في السر والعلن لتقويض الحكم والعبث بمقدرات الدولة والشعب.
ولعل في خطابات النائب الشيخ جاسم السعيدي ما يمكن اعتباره «دينامو» لتشغيل آلة الصراع الاجتماعي الطائفي بعيدا عن أصول رأب الصدع والالتزام بالأدوار الدينية والاجتماعية والوطنية في معالجة قضية حساسة أو اختلاف في وجهات النظر سواء كان ذلك الاختلاف على المسار الديني أو السياسي! فاتخاذ أسلوب الخطب التأجيجية في صلاة الجمعة وإصدار التصريحات الصحافية النارية هو منهج خاطئ من دون شك، وهذا الأمر ينطبق أيضا على غيره من النواب والخطباء والناشطين السياسيين.
ولعل الخطير الملفت، أن هذا الصراع المقيت، المخفي الظاهر، الضعيف القوي، الطيب الشرير، قد أفرز، أو قل، ضاعف من الإفراز الطائفي في المجتمع ليشكل بالتالي معسكرين جديدين: الأول، هو معسكر المواطن المخلص لبلده، والثاني هو «اللا» مواطن الذي ما فتئ يسعى جاهدا لتدمير المشروع الإصلاحي، وهو معسكر لن يرتاح أبدا إلا إذا رأى بأم عينيه البلد، وهي تسير نحو مفترق طرق، أو لنقل مثلما تطرح بعض الخطابات «الخروج على ولاة الأمر».
لا الحكومة ستجني الثمار من وراء هذا اللغط، ولا المواطنين، أيا كان انتماؤهم المذهبي، فالدلائل الواضحة على أرض الواقع تؤكد أن المجتمع مهدد! وهذا التهديد مرده الى الخطابات التفتيتية من كل الأطراف التي تعي ما تفعل أو لا تعي… إذا، ما الحل؟
الحل في ألا تسمح الحكومة بنجاح أية محاولة لزيادة أعداد المنضمين إلى المعسكرين الجديدين: المواطن و «اللا» مواطن، فالدستور يقول إن المواطنين سواسية، وعدا ذلك، من ممارسات تخالف العرف الاجتماعي وتتعدى القوانين، فإن للدولة الحق في تقديم كل من تجاوز حدوده للمساءلة القانونية… ولوزارة العدل والشئون الإسلامية الحق في محاسبة الخطباء والأئمة إن ثبت عليهم الخطأ، وللسلطة التشريعية الحق في ملاحقة من يثبت عليهم الفساد والإضرار بالبلد… أما إن تركت كل القضايا للخطاب الديني اللامسئول أو للتصريحات الصحافية ذات الأبعاد البطولية، فقل… سلاما سلاما