نبارك لسورية الشقيقة اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية، والحقيقة ان سورية، الرقم الصعب هذه الايام، لم تكن كذلك في مراحل تاريخية من تطورها الحديث، بل اشتهر في الخمسينيات ما سمي بـ «الصراع على سورية»، حيث تجاذبتها قوى مؤثرة ارادت اما ضمها للعراق او للتحالف مع تركيا او للوحدة مع مصر.
ادى تبني حكومة الاتحاد والترقي في تركيا للنهج الطوراني المتشدد وبعدها عن الحكم بالشريعة الاسلامية وتكفير بعض العلماء لها، وتحولها للنهج الدستوري في 23/7/1908، وهزائم جيوشها امام دول البلقان ولجوء القائد جمال السفاح لارسال احرار العرب للمشانق في بيروت ودمشق وارسال نسائهم واطفالهم كسبايا الى الاناضول، لقيام الثورة العربية الكبرى عام 1916 ضد الاتراك بعد ان شارك العرب في الحرب مع تركيا ابان العام الاول من الحرب الكونية الاولى، وقد توقفوا مع بدء الاعدامات اي في عام 1915.
هزمت تركيا في الحرب الكونية ودخل الامير فيصل بن الحسين دمشق على رأس جيشه العربي وتوّج ملكا على الدولة العربية الناشئة فيها، وقد تلا ذلك اعلان الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان وارسل الجنرال غورو انذارا للملك فيصل تضمن طلبه بحل الجيش العربي وقبول الانتداب ووقف المقاومة المسلحة وتسليم محطات السكة الحديدية، على ان يأتي القبول قبل منتصف ليلة الثلاثاء 20/6/1920 وإلا امر قواته باحتلال دمشق.
اعلن البرلمان العربي السوري رفضه للانذار وارسل الملك فيصل وزير المعارف ساطع الحصري للتفاهم مع غورو على بدائل اخرى، كما ارسل وزيري الداخلية والدفاع هاشم الاتاسي ويوسف العظمة لاقناع البرلمان بقبول الانذار حقنا للدماء وزايدت الاحزاب على بعضها البعض في الرفض ونزلت الجماهير للشوارع بحثا عن السلاح للمقاومة، فتصدت لها قوات الامير زيد وسقط 200 قتيل، كما بدأت الوزارة في يوم الاثنين 19/6 بانجاز الخطوات اللازمة لقبول الانذار فسرحت الجيش وعطلت اعمال البرلمان لمدة شهرين.
وعقدت الوزارة الساعة السادسة من مساء الثلاثاء 20/6 (اليوم الاخير للانذار) اجتماعا تمخض عن صدور قرار بارسال برقية للجنرال غورو تخبره بقبول الانذار، وقد استلم موظفو البريد والبرق في دمشق الساعة السابعة والنصف مساء من مديرهم حسن بك الحكيم البرقية كي يرسلوها قبل منتصف الليل، الا ان التباسا حدث خاصة انها لم تكن مصحوبة بالمال اللازم لارسالها، مما جعلها تأخذ الدور العادي دون اولوية في الارسال، ما نتج عنه تحريك غورو لقواته في الصباح وعدم قبوله للايضاح المتأخر حول اشكال ارسال البرقية.
تقدمت القوات الفرنسية التي يفوق عددها 9 آلاف جندي (ثلاثة اضعاف المدافعين) كان اغلبهم من المغاربة والجزائريين والسنغاليين، كما ان مخابرات الجيش كانت تتكون من اللبنانيين نحو «ميسلون» التي تقع على بعد 28 كلم من دمشق مدججة بالاسلحة والطائرات، وطلب الملك فيصل من رافضي الانذار ان يثبتوا مصداقيتهم بالصمود امام الجيش الزاحف، وحدث حوار مثير بين الملك ووزير دفاعه يوسف العظمة، حيث حثه وزير الدفاع على اعادة الاتصال مع غورو وقبول الانذار، فسأله الملك لماذا كنت تصر اذن على الحرب، فأجابه الوزير بأنه كان يعمل «مناورة» على الفرنسيين، فقال له الملك يجب الموت ما دامت الحالة قد وصلت الى هذا الحد، فأجابه الوزير انت اذن تأمرني بالموت، ويجب ان نموت شرفاء، وقد قتل الوزير برصاصة الساعة الحادية عشرة صباح يوم المعركة في 24/6/1920 عندما كان واقفا يراقب المعركة فوق تلة بعد ان حاول مرافقه العسكري ياسين جابي ان يقنعه بعدم الوقوف وتعريض جسمه للرصاص.
بعد دخول الجنرال غورو دمشق اعلن انشاء دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويين ودولة الدروز، فأعلن على الفور الشيخ العلوي صالح العلي رفضه لقيام دولة علوية، وقام بثورة متصلة ضد الفرنسيين لمدة قاربت الاربع سنوات متحالفا مع الشيخ ابراهيم هنانو الكردي وعزالدين القسام، كما اعلن الامير الدرزي سلطان الاطرش ثورته السورية الكبرى رافضا كذلك مشروع الدولة الدرزية، وقد تكللت تلك الثورات المجيدة بوحدة التراب السوري واعلان الاستقلال عن فرنسا في عام 1943 وتم تسطير صفحة مضيئة اخرى من تاريخ العروبة المجيد في بلداننا.