أن تغني فيروز في دمشق يعني أن اثر لبنان هو الآخر قائم وممتد إلى دمشق، كما أنه يعني أن اثر دمشق يبقى قائماً في لبنان بما يتجاوز الصراع السياسي والاختلاف عليه. التفاعل بين البلدين، مهما كان حجم الأخطاء التي ارتكبت في السياسة، يجب ألا يتحول إلى مقاطعة تصل الى الثقافة والعلاقات والتواصل. فالثقافة يجب ألا تتأثر بتبعات السياسة، لأن ما وقع سببته السياسة ولم تسببه الثقافة والاقتصاد والمواطنون في كلا البلدين. في العلاقات اللبنانية ـ السورية ستبقى الجغرافيا، وسيبقى الامتداد والتواصل بين البلدين مضامين خاصة. فإلى أن ينتهي التحقيق في مقتل رئيس الوزراء السابق الحريري يجب ألا تكون المقاطعة الثقافية والإنسانية والمعنوية، وحتى السياسية أساس العلاقة بين البلدين. فلغة المقاطعة ساهمت في تأخير العرب وحدت من آفاق تطورهم. لقد أصابت فيروز في غنائها في دمشق، فهي تغني للبنان كما تغني لسورية وللعرب كلهم، بغض النظر عن السياسة والسياسيين، وفي هذا نجدها تغني لصالح الفن والتواصل بين الناس. في غنائها ما يخفف من الاحتقان والتباعد ويمهد لآفاق قد تشمل البلدين، رغم ما حصل كله ما فيه من سلبيات وتجاوزات. متابعة قراءة الجدل… أن تغني فيروز في دمشق؟
اليوم: 23 يناير، 2008
جعلها الله آخر الأزمات
أكتب من بيروت حيث تواترت الانباء عن انتهاء ازمة الاستجواب في الكويت، واشتداد ازمة الحكم في لبنان حيث تم تأجيل عملية انتخاب رئيس الجمهورية للمرة 13 (رقم الحظ) وبقي القصر الجمهوري والبرلمان مغلقين بالضبة والمفتاح امام شاغليهما وكأنهما ديكور زائد في العملية السياسية ومعروف ان الديموقراطيتين اللبنانية والكويتية هما الاقدم والاكثر عراقة في الوطن العربي ويعتبران المثل والقدوة للشعوب العربية الاخرى.
شاركت بالامس في حلقة من برنامج «حوار العرب» الذي سيبث الخميس بعد القادم الساعة التاسعة مساء على قناة «العربية»، والبرنامج شهري وقد تم الحديث فيه عن اشكالات الديموقراطية العربية وهل هي في النهاية نعمة ام نقمة لشعوبنا، وقد ضمت الحلقة نخبة من مفكري الوطن العربي كان منهم الوزير السابق ورئيس الديوان الملكي ودكاترة مختصون اضافة الى ضيوف في الاستديو من طلاب ومخضرمين ينتمون الى مختلف التوجهات السياسية والتخصصات العلمية.
وبالنسبة للسؤال المفصلي الذي دارت حوله الحلقة حول فيما إذا كانت الديموقراطية العربية «نعمة او نقمة» وجدت ان الامر متعلق تماما بالدول والشعوب المستقبلة لها وكيفية استخدامها للأدوات المصاحبة لها فقد تصبح «نعمة» متى ما استخدمت الادوات لتعزيز الاستقرار السياسي والسلام الاجتماعي ودعم عمليات التنمية ومنع الحروب والفقر والمجاعات، وستصبح بالمقابل «نقمة» متى ما استخدمت الادوات الدستورية لخلق عمليات تأزيم سياسية مستمرة ولضرب السلام الاجتماعي بين فئات المجتمع وتفتيت الوحدة الوطنية وعرقلة عمليات التنمية وافشاء عمليات الحروب والقتل والمجاعات، ولنا عبر النظر للتجارب الديموقراطية القائمة في بلداننا العربية كالعراق والصومال ولبنان والسودان وحتى الكويت الحكم عما إذا كانت نعمة او نقمة او شيئا من هذا وشيئا من ذاك…!
ومما ذكرته في اللقاء ان رفع شعار «الديموقراطية هي الحل» هو تماما كحال رفع شعار «الاسلام هو الحل» او «الماركسية هي الحل» الخ ودون الدخول بتفاصيل هذا الحل امر لا نرى صحته خاصة بعد ان استمعت لدكتور علوم سياسية مشارك ادعى – دون بينة – ان جميع ما طبق في العالم العربي منذ بداية القرن الماضي حتى اليوم ليس تجارب ديموقراطية (!) وهو طرح يجعل العالم العربي لا يستفيد من اخطاء تطبيق الديموقراطية في العالم العربي الحالية والسابقة لتصحيحها ومنع تكرارها مستقبلا.
وقد رأيت ان على شعوبنا العربية ان تتعلم من الاخطاء الفادحة في الماضي القريب فإبان حكم الديموقراطيات الليبرالية العربية قيل بعد نكسة 48 ان الحل يكمن في التحول لنهج الحكومات العسكرية التي ستحقق الانتصارات الباهرة على اسرائيل وتطبق اشتراكية الرفاه على الشعوب، وبعد ان ثبت خطأ ذلك التصور بعد تطبيقه في مصر والعراق وسورية وليبيا الخ قيل بعد نكسة 67 ان الحل يكمن في الماركسية العلمية وجربت في اليمن الجنوبي والصومال فانتهت بالكوارث وعندما ثبت فشلها قيل «ان الاسلام هو الحل» دون الدخول بالتفاصيل فطبق ذلك الخيار في افغانستان ابان حكم المجاهدين والطالبان وايران والسودان فانتهى الامر بالمجاعات والحروب وتعطل عمليات التنمية.
ان الحل الحقيقي للاشكال العربي يكمن بالتوقف عن التسويق الاعمى للديموقراطية دون الدخول في التفاصيل الدقيقة الهامة حتى لا يخيب امل الشعوب فيها فترتد عليها لذا فالواجب ان تحدد كل دولة عربية «حاجياتها» من الديموقراطية القائمة او القادمة و«مخاوفها ومحاذيرها» من التطبيق فحاجة دول خليجية وافرة الانجاز في الشق التنموي كالإمارات وقطر تختلف تماما عن حاجة دول كالعراق والسودان التي هي في امس الحاجة الى دعم الشق التنموي كما ان لها حقا مشروعا في التخوف من ان يتسبب التطبيق الديموقراطي السريع والمباشر في انشطارها او قيام حروب وعمليات قتل وارهاب فيها، ان على كل دولة عربية ان «تفصل» ديموقراطية مباشرة او متدرجة ودساتير على مقاسها بما يعزز ما تريده منها ويمنع بالمقابل تلك المخاوف فلن توجد قط ديموقراطية «Free Size» تناسب الجميع.