تعكس زيارة الرئيس بوش الأخيرة، وهو في عامه الأخير في الرئاسة مدى اهتمامه بالأوضاع العربية المؤثرة على الحرب والسلام العالميين. ففي هذه الزيارة التي تعكس مزيداً من العمل الديبلوماسي ما ينبئ منطقتنا ببعض المفاجآت سواء كانت سلبية أو إيجابية وسواء كانت لصالحنا أو لغير صالحنا. فالإدارة الأميركية تعاملت مع الشرق الأوسط على مدى الأعوام الثمانية الماضية بطرق مختلفة مستخدمة الوسائل المسلحة والضغوط والديبلوماسية في الوقت نفسه. إن الولايات المتحدة في حالة حرب في منطقة الشرق الأوسط، فقواتها في العراق وأفغانستان تعد بمئات الآلاف، وهي في حالة مواجهة مع الجمهورية الإسلامية في ايران، ومع سورية ومع «حزب الله» ومع الحركات الإسلامية ومع «حماس» وفوق هذا كله مع «القاعدة».
إن الحمله الأميركية في منطقتنا لم تكن في جلها ناجحة وموفقة، فقد تخللتها المفاجآت وتخللتها التراجعات، وأحياناً الأزمات. فالولايات المتحدة لم تواجه في حروبها أرضاً مفروشة بالورود، ولم تكن انتصاراتها بالسهولة واليسر، وهذا هو واقع الحال، فمنطقتنا من الصعب إخضاعها إلى منطق القوة، ومن الصعب ترويضها بما لا ترغب به، ومن الصعب قبولها بالهزيمة حتى لو كان الثمن كبيراً عليها. هذا هي حال العالم العربي المتأثر بقضايا كثيرة ومتشابكة من فلسطين إلى الإسلام ومن الاستقلال إلى الهوية والحريات والتنمية.
وفي التعامل مع الوضع المعقد في عالمنا مارست الولايات المتحدة الديبلوماسية، والمناورة والتكتيك، وهي على استعداد للتراجع عن بعض المسائل لقاء ترتيب مسائل أخرى. ونجدها أيضاً تعقد التحالفات، ثم تسعى إلى التعامل مع خصومها على مراحل. هكذا هي الولايات المتحدة: دولة كبرى تسيطر على أجزاء رئيسية من العالم وتعتبر حربها مع التطرف الإسلامي والأوضاع في الشرق الأوسط معركة أساسية تخوضها لصالح حماية مصالحها واقتصادها ودورها العالمي وإبقاء السيطرة على منابع النفط وحماية أمن إسرائيل ومفهومها للعولمة.
بإمكاننا أن نختلف مع التوجهات الأميركية أم أن نتفق جزئياً أم كلياً(فهذا يتوقف على الموقف السياسي والإطار العام) لكل دولة وحزب وفئة في العالم العربي. ولكن بإمكاننا في الوقت نفسه أن نضع شروطاً لتمتين التحالف الأميركي الخليجي. فنجاح التحالف الأميركي مع الدول العربية ومع الجذور الشعبية لهذه الدول يتطلب علاجاً لقضايا تؤثر في قرارات هذه الدول، ومنها إمكانية وقوع حرب مع إيران تجرنا إليها الولايات المتحدة ولا نعرف كيف نتعامل مع نتائجها السلبية، أهمية حصول حل عادل للقضية الفلسطينية يتضمن القدس والمستوطنات والدولة الفلسطينية والانسحاب الإسرائيلي من الاراضي المحتلة عام 1967، أهمية أن تسعى الولايات المتحدة إلى تطوير الترتيبات في العراق وعدم ترك العراق أسيراً للحرب والفوضى والاقتتال المذهبي.
ومن العدالة التأكيد على موضوع الشبان الخليجيين ومنهم الكويتيون المعتقلون في معتقل غوانتانامو، فهؤلاء في معظمهم شبان أغرتهم الدعوة للقتال وبناء دولة إسلامية وفق النموذج الخاص بـ«القاعدة»، ولكن على الغالب فهؤلاء شبان لم يرتكبوا شيئا باستثناء أقلية قيادية مع «القاعدة») بحق أحد، وقد مارسوا قناعاتهم وأُسروا في ظروف الحرب والقتال. هذا يعني أنهم أساساً أسرى حرب يجب أن يعاملوا ضمن القوانين الدولية المتفق عليها بما فيها الإفراج عنهم بعد التحقيق معهم. ومن حق الكويت والسعودية ودول أخرى أن تطالب بإطلاق سراح هؤلاء الشبان والتأكيد على أهمية ألا يكون هناك قضاء على مستقبلهم ودفعهم نحو مزيد من التطرف.
وفي المقابل، لقد استقبل الرئيس بوش من قبل الشارع العربي بالكثير من التشكيك والسلبية، واستقبل من قبل الرسميين العرب في دول الخليج بالكثير من الحفاوة والتخوف في الوقت نفسه. في كل مكان تختلف القصة وتختلف الأولويات. في الكويت للاستقبال معنى خاص. فالكويت مازالت تشعر أن علاقتها بالولايات المتحدة تعود عليها بالأمن على المديين البعيد والقريب، وقد استثمرت الكويت بعلاقتها مع الولايات المتحدة في الأعوام التي لحقت تحريرها عام 1990. من جهة أخرى تمثل العلاقة الأميركية مع بقية دول الخليج ومع المملكة العربية السعودية قيمة سياسية وعسكرية وأمنية عالية. ففي هذه المرحلة الولايات المتحدة في حاجة إلى حلفاء للتعامل مع الملفات الساخنة التي تقف بينها وبين التقدم في مواجهة الإرهاب والوضع في العراق وفي لبنان وفي إيران. كما أن دول الخليج في حاجة إلى التحالف الأميركي للتعامل مع احتياجاتهم الأمنية الخاصة، وخصوصاً صغر حجمهم وتضخم الصراعات الأمنية في منطقتنا. إن تحقيق بعض التقدم في الأجندة الأميركية الإقليمية لن يكون ممكناً بلا حلفاء في الكويت والسعودية وبقية دول الخليج. ولكن هذا لن يكون ممكناً بلا مقدرة هذه الدول على طرح تصوراتها وفرض بعضها على الولايات المتحدة بما يضمن تحركاً يحافظ على مصالح دول المنطقة، كما يحافظ على المصالح الأميركية. الحرب بين الولايات المتحدة والإقليم العربي ستبقى مفتوحة في مواقع محددة هذا العام. ولكنها في الوقت قد تشهد انفراجات سياسية على أكثر من مسار ما يساعد دول المنطقة والولايات المتحدة في الوقت نفسه على اقتناص بعض الفوائد وبعض الاستقرار وبعض النجاح. تبقى نسبة ذلك كله محل تساؤل: فسوف يترك الرئيس بوش في نهاية العام وبداية العام المقبل للرئيس الذي يأتي بعده الكثير من الأعمال غير المنتهية، كما سيترك أيضاً لنا الكثير لنتعامل معه. السؤال أمامنا: ما هي استراتيجياتنا الإقليمية وعلى الأقل الخليجية للبقاء والتنمية والتعامل والحفاظ على أمننا؟