مع نهاية العام السابق الذي ختم باغتيال بنازير بوتو يبرز السؤال الأكبر: هل الشرق الإسلامي لا يحتمل إلا نمطين من الأشخاص والحكومات: إما أن تكون بن لادنياً تسعى إلى تفجير كل محيط وإما أن تـــكون صــــدامـــياً تـــغرق معارضيك بحروب وصراعات واغتيالات؟ عالمنا الإسلامي يعيش إما الديكتاتورية وإما التطرف في مواجهتها. أما النماذج التي تــــمارس الســـياسة ذات الطابع الوسطي، والتي تؤمن بالديـــموقراطية وتعدد الآراء، فهي تنتهي حتى الآن في دولنا إما في السجن أو الإبعاد وإما في ما هو أسوأ، أي الاغتيال.
ما حصل مع بــــنازيــــر بوتــــو يؤكد وجود هذه الإشــــكالية في الـــعالم الإسلامي. بمعنى آخر لم تنضج الظروف في معظم بلادنا الإسلامية لنمط من الحكم أقدر على تداول الســـلطة، حشد الأنصار، التصدي للمصالح الضــــيقة، تطوير سلطة القــــانون والمؤسسات في ظل حق الاقتراع وحق التعــــبير. مازال العالم الإسلامي يبحث عن نظامه. وما نجده اليوم من اغتـــيال وتصفية وديكتاتورية لا يمـــثل نظاماً يمكن للشرق الإسلامي أن يعتمده على المدى المتوسط أو حتى القريب، بل ما نجده اليوم هو شيء انتــــقالي لا يمثل إلا مرحلة. ومع بداية عام 2008 فإن العرب والمسلمين من العراق إلى لبنان ومن باكستان إلى إيران ليسوا أقرب إلى الديموقراطية، بل هم أقرب إلى الحروب الأهلية والاقتتال والتخاصم والتأزم.
ويدل حدث بحجم اغتيال بوتو وقبله الحريري ومعه عشرات من الاغتيالات لمعارضين أن التصفية الجسدية خيار تسعى إليه القوى الرافضة للتغيير في العالم الإسلامي. الاغتيال أمر تمارسه القوى السياسية الإسلامية أكانت في المعارضة(«القاعدة» على سبيل المثال) أو في الحكم. هذه المرحلة الدموية مازالت تطبع عالمنا وتخرب علينا سلامنا وتطلق الموت باتجاه مجتمعاتنا.
إن المشكلة في ما يقع وقد يقع، لأن حسابات النتائج تكون غائبة. والنتيجة لهذا كله هو حالة من الفوضي، ومزيد من الديكتاتورية والتدخل الأجنبي والتفكك. النتيجة الفشل في بناء المجتمع المدني والحكم المدني الذي يحترم الحريات والخيارات للفئات والأفراد. الفشل في بناء مجتمع عصري في القرن الحادي والعشرين هو الذي يحولنا إلى مجتمعات يتصيد كل فريق فيها الفريق الآخر.
إن ما يقع كله من فتك باسم الإسلام والدين والاستقلال عن الغرب يساهم في إضعاف المسلمين. ولكن باسم الإسلام والاستقلال ورفض الغرب ترانا ندمر المستقبل، ونلغي بعضنا البعض ونفرض فكراً متحجراً يزيد من تراجعنا. في ظروف كهذه سوف تعيش الديكتاتورية، وذلك لفشلنا في انتزاع الاحترام الذي تستحقه الديموقراطية، وفي ظروف كهذا سوف ينتعش الإرهاب، وذلك لفشلنا في إبراز طريق جديد أمام الجيل الشاب مما يعود ويضخم من سلطات الديكتاتورية. لقد تراجع الوسط عام 2007 مما يرمز إلى تأجج الاقتتال الأهلي في مجتمعاتنا. إن الفشل في التوصل للوسط هو ذاته الذي يخلق الحرب الدائمة بين العسكريين والديكتاتورية من جهة وبين المعارضة المسلحة من جهة أخرى.