من عاش في بريطانيا قبل الحقبة التاتشرية يعلم كم كان الوضع مؤلما هناك حيث تفاجأ كل صباح بإضراب موظفي السكة الحديد أو الباصات أو عمال النظافة أو شركات الطيران أو حتى القائمين على خدمات الكهرباء والماء والبريد وعادة ما تمتد تلك الاضرابات المدمرة لأشهر أو سنوات عدة.
لذا لم ينطلق الاقتصادان البريطاني والأوروبي ولم يتحررا ويتطورا، ومثلهما اقتصاد الولايات المتحدة ابان عهد الرئيس ريغان، إلا بعد حل مشكلة الاضرابات، التي كان من أشهرها اضراب المراقبين الجويين، من جذورها والتأكد من أن عمليات التفاوض بين الجهات المعنية تتم بعيدا عن منهاجية الاضراب التي تشل البلاد وتزعج المواطنين وتضر بمصالح الطرفين المتفاوضين.
في الكويت بقيت اشكالية الاضرابات محدودة والحكمة سائدة حتى تغيرت المعطيات قبل مدة عندما قام البعض بتشجيع مبدأ «اضربْ تُجَب» أي عليك أن تلجأ للاضراب حتى نستمع لك ونحقق لك كل طلباتك، وهو ما جعل شرارة الاضراب تنتشر كالنار في الهشيم في البلاد، ولم يوقف أكثر من 22 نقابة عن الاضراب، كما أتى في بعض الصحف، الا دخول الشهر الفضيل.
ان الواجب الوطني ومصلحة البلاد والعباد يقتضيان من الجانب التنفيذي أن ينجز الطلبات المحقة للموظفين والعمال عبر التفاوض الجدي والودي، ودون الحاجة لدفعهم للاضراب للحصول على حقوقهم كاملة، كما ان على الجانب النقابي ان يتفهم ضرورة طرح المطالب العقلانية والقبول بالتدرج للحصول على ما يتم طرحه، فما لا يحصل كله لا يترك جله.
ان كل قطاعات الدولة مهمة، وأي اضراب أيا كانت مهنة منتسبيه سيتسبب في أفدح الضرر للبلاد ولا حكمة من الحج لطرق ووسائل تركتها الدول المتقدمة خلفها لما تتسبب فيه من خسائر فادحة للاقتصاد الوطني وتعطيلها لمصالح المواطنين، لذا نرجو ان نرقب في المرحلة المقبلة تعزيز نهج مفاوضات الغرف المغلقة التي يقوم بها الحكماء من كل الاطراف والتي تؤدي الى النتائج الطيبة.
آخر محطة:
إضراب يلد اضرابا سيجعلنا نتحسر بشدة على عصر أزمة سياسية تلد أخرى.