انشأ الخديو اسماعيل قناة السويس لاسباب سياسية بحتة هي رغبته في الاستقلال عن الباب العالي وحكم السلطان عبدالعزيز، واستبدال حركة مضيق البوسفور بحركة قناة السويس، لذا ابحر عام 1869 بيخته «المحروسة» ترافقه 6 فرقاطات بحرية لزيارة القائمين على امبراطوريات وممالك وجمهوريات اوروبا لدعوتها للحفل الاسطوري الذي سيقيمه لافتتاح قناة السويس وزيارة مصر لمدة 24 يوما وقد حضر في اليوم الموعود 6 الاف مدعو وغاب السلطان العثماني.
وقد اثبتت قناة السويس في بدايتها فشلا اقتصاديا ذريعا حيث كان مصممها ورئيس مجلس ادارتها المهندس الفرنسي دليسبس يتوقع ان يمر بها سنويا 6 ملايين طن نظرا لانفتاح اسواق الصين واليابان حسب قوله، فلم يمر بها الا 652 الف طن مما جعل اسهمها تنهار في بورصتي باريس ولندن (كحال مشروع اليوروتنل هذه الايام الذي يربط بريطانيا بفرنسا) وقد أصدرت الشركة سندات لم يرغب احد في شرائها وفيما بعد وبسبب انهيار اسعار القطن وتفشي وباء الكوليرا وكلفة القناة وقروض الخديو اسماعيل تم بيع اسهم الشركة ومعها حصة مصر في الارباح المقدرة بـ 15% من الدخل للشركات البريطانية والعالمية ابان عهد الرئيس الانجليزي درزائيلي.
السد العالي هو مشروع قديم لمهندس ري يوناني كان يعيش في مصر تم طرحه على برلمان 1924، وفي خطاب تأميم القناة في 26/7/1956 لتمويل بناء السد العالي يذكر الرئيس عبدالناصر ان اميركا عرضت عليهم دفعة اولى مكونة من 16 مليون دولار اي حسب قوله اقل من خمسة ملايين جنيه مصري كما ان الدفعة الاخيرة كما اتى في الخطاب هي 100 مليون دولار اميركي اي 35 مليون جنيه مصري اي ان الجنيه المصري عندما بدأ الحكم القمعي في مصر مغامراته العسكرية كان يعادل 3.3 دولارات اي اعلى من سعر صرف الدينار الكويتي هذه الايام الذي هو الاعلى في العالم والارقام لا تكذب.
وكان الحكم العسكري الانقلابي في مصر وعبر «محكمة الغدر» التي عقدت في عام 1953 قد تخلص من كبار ساسة مصر وعقولها المفكرة النيرة ولم يفرق بين الساسة الوفديين والسعديين والاحرار الدستوريين ووصمهم جميعا بالفساد وادخلهم السجون ثم دخل معترك الصراعات الدولية وحده دون خبرات متراكمة على الاطلاق حيث يقر في نفس خطاب التأميم والاعتراف سيد الادلة بأنه لم يحلم او يتدرب قط على شؤون الحكم (!) لذا سلم مقاليد الامور في مصر لاغبياء وحشاشين وانصاف مجانين امثال الاخوين صلاح وجمال سالم والمشير عامر فانتهى الامر بهم الى التصادم مع العالم اجمع ولم يستفيدوا من رعب الغرب التاريخي من المد الشيوعي كما استفاد من ذلك قادة دول شرق اسيا.
وقد عقد الرئيس عبدالناصر صفقة اسلحة تشيكية «فاسدة» مع الروس لم يستفد منها بشيء ولم ينتصر بها حتى وفاته في حرب مما جعل الولايات المتحدة والبنك الدولي يوقفان تمويل بناء السد بعد ان اظهرت مصر العداء لهما ثم قام الاتحاد السوفييتي على الفور بتقديم عرض بديل بشروط وفوائد اقل شعورا منه بالذنب ورغبة منه في دخول منطقة الشرق الاوسط من اوسع ابوابها.
وبدلا من ان يستبدل القادة الثوريون هذا العرض بذاك ومن ثم يتم بناء السد دون حرب او ضرب قام الرئيس عبدالناصر ودون ابلاغ مجلس قيادة الثورة او مجلس الوزراء باعلان قرار التأميم كحال قرار صدام باحتلال الكويت الذي لم يبلغ به احدا، والذي انتهى بكارثة الحرب والهزيمة، ومن ثم جعل السد العالي الاعلى كلفة في التاريخ بعد احتساب تعويضات قناة السويس المؤممة وكلفة دفعات السلاح المدمرة، وحقيقة ان فتح مضايق تيران ادى في النهاية الى كارثة حرب 67 التي هي الابن الشرعي لهزيمة 56 التي ابقت القيادات العسكرية «المنتصرة» امثال المشير عامر وقائد سلاح الجو صدقي محمود الذي ضربت طائراته على الارض في عامي 56 و67 والمشير الذي خسر سيناء مرتين كذلك في 56 و67.
آخر محطة:
كم هم اذكياء هؤلاء الاسرائيليون ممن سكتوا بل ربما ساعدوا على خلق اكذوبة النصر عام 56 رغم سهولة تفنيدها مما جعل الضفادع الثورية «المنتصرة» تنتفخ حتى انفجرت عام 67، هل من دروس هذه الايام معتبرة مما حدث؟ لا اعتقد..!