لنبتعد هذا الأسبوع عن الهم الكويتي خاصة وانا في اجازة خارج البلاد وسنتطرق بمناسبة شهر مايو (ضياع فلسطين) ويونيو (ضياع الأرض العربية) في خمسة مقالات عن حروب العرب، واعتقد ان بعض ما سيأتي في هذه المقالات لم يتطرق له أحد من قبل، حيث ان الحقائق هي أول ما يضحى به عند كتابة تاريخنا الحديث لصالح التوجهات المؤدلجة.
من خصائص العرب الباقية حب المغامرة والمقامرة ومن طباع المقامر حقيقة ان ندمه على خسارته الصغيرة يجعله يتسبب في خسائر أكبر واكبر لتعويضها، ومن ذلك فإن رفض زعيم فلسطين المتوج أمين الحسيني قرار «لجنة بيل» عام 36 الذي يعطي اليهود ٪10 من الأرض والعرب ٪90 منها دون مبرر عقلاني جعله يدعي رغبته في الحصول على كامل الأرض عام 48 بتعارض مع قرارات المجتمع الدولي القاضية بالتقسيم حتى يعوض هذه بتلك.
وللحاج أمين الحسيني دور مفصلي شديد الغموض فيما يخص قضية فلسطين وحرب 48، فقد وصل لمنصب الافتاء الذي أهله لقيادة القضية عبر دعم الحاكم البريطاني الصهيوني لفلسطين، وتظهر أوراق الخارجية البريطانية السرية التي نشرها الباحث الفلسطيني تيسير قبعة ان راعي القضية كان وسيطا فاعلا في بيع الأراضي الكبرى لليهود (!) كما لجأ المفتي أواخر الثلاثينيات الى أباطرة القمع والإبادة هتلر وموسليني مما كان له أفدح الضرر على سمعة القضية الفلسطينية دوليا بينما راهن اليهود على معسكر الديموقراطية وحقوق الانسان، كما ضخم المفتي عام 48 من مذبحتي دير ياسين وكفر قاسم بحجة رغبته في خروج الشعب الفلسطيني من أرضه كي يتم تسليحه وعودته ظافرا لتحريرها، وقد خرج الشعب الفلسطيني بسبب تلك الغلطة الشنيعة ولم يعد بعدها.
وقد جعل انضمام اليهود لقوات الحلفاء منهم قوة عسكرية ضاربة لا يستهان بها بينما أباد جنرال البرد من غرر بهم المفتي من العرب بعد ضمهم للحملة النازية الفاشلة على روسيا، أما الشوام وأهل المغرب العربي الذين حاربوا مع الحلفاء المنتصرين فقد اعتبروا خونة للأوطان لا تجوز الاستعانة بهم في حرب فلسطين المقدسة التي قادتها العواطف لا العقول العسكرية المحترفة.
ومن أكاذيب تلك الحرب قضية «الأسلحة الفاسدة» التي أثارها الصحافي احسان عبدالقدوس، وقد حُقق في تلك القضية بعد انقلاب 52 ولم يثبت بها شيء، والحقيقة ان الحصار الدولي على العرب واليهود كان فاعلا الا ان اليهود استطاعوا عبر الرشاوى ان يحصلوا من بعض ساسة وجنرالات اميركا اللاتينية على الكثير من الطائرات والدبابات والاسلحة الجديدة الفائضة عن الحاجة بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية ولم يستغل العرب وجودهم الملاييني في البرازيل والارجنتين والمكسيك للحصول على مثل تلك الأسلحة وتلك هي احدى الغلطات الكبرى المسكوت عنها.
والحرب هي مثلث على رأسه القرار السياسي الذي كان مختطفا آنذاك من قيادات لكل منها إما مصالح خاصة أو رغبة في ارضاء بعض الضغوط الداخلية، فالملك فاروق كان يأمل بتحقيق حلمه بإحياء الخلافة الإسلامية وقيادتها بدعم من الإخوان المسلمين عبر بوابة الحرب في فلسطين التي دخلها رغم معارضة رئيس وزرائه ووزير حربه، كما رغب الملك عبدالله في ضم أراضي فلسطين الخضراء لمملكته الصحراوية، أما أنظمة العراق وسورية ولبنان فقد دخلت الحرب لارضاء قياداتها العسكرية أمثال طه الهاشمي وشوكت شقير وعدنان المالكي وغيرهم، ومازلت لا أعلم بعد قراءتي آلاف الكتب والوثائق شيئا عن الاجندة الخاصة بالمفتي أمين الحسيني..!