محمد الوشيحي

البطانة.. شيل وحط

حوار مع صديق أجنبي، لم يخلُ من فتح الفم على مصراعيه، دهشة، ورفع الحاجبين، ذهولاً، وتكرار كلمة «معقول؟.. معقول؟»، شفقة وحزناً.

الحديث كان عن البطانة، بطانة الحاكم العربي، التي سمع صاحبنا نقداً شرساً موجهاً إليها، فتوهم أنها إحدى مؤسسات الدولة، كمجلس شورى، أو ما شابه..

سؤاله الأول أضحكني حتى البكاء: إذا كان الأمر كذلك، والبطانة بهذا السوء، فلمَ لا يكشف الحاكم العربي الأمر للشعب، ويُطلعه على فساد هذه البطانة، كي يعينوه على استبدالها؟

قلت، بعد أن مسحت دموع الضحك،: هو الذي يختار بطانته، بمفرده.. هنا فتح فمه دهشة وتساءل ببراءة طفل: هو من يختار البطانة؟ وهو من يدفع رواتبها من جيبه الخاص؟ فأجبته قبل أن يسترسل: لا لا، أبداً، فخامته يختار بطانته، تحت مسمى «مستشارين»، والشعب يتكفل بدفع رواتب أعضاء هذه البطانة. وفوق ذلك لا يكتفي الواحد من هؤلاء المستشارين براتبه، بل يستغل نفوذه بشراسة ضبع، ليتحول، فجأة، إلى أحد رجال الأعمال الذين يُشار لهم ببصقة.

قال، بعد أن تعب من ترديد تساؤله العبيط،: «معقول؟ معقول؟ معقول؟»: ولماذا يتم توجيه الانتقاد إلى البطانة وليس الحاكم، بما انه هو من اختارها؟ قلت، وأنا أخفي ابتسامة صفراء فاقعاً لونها،: فخامته يستخدم البطانة: «مصدات رياح ونقد»، والشعوب تستخدمها «مصدات سجون»، كي لا يذهب المواطن في رحلة مجانية إلى ما وراء الشمس، في حال انتقد الحاكم بصورة مباشرة؛ فالحكام العرب، أو بعضهم، تجاوز مرحلة التقديس والتأليه.

عموماً (أكملت حديثي له، قبل أن يلتصق حاجباه بمنبت شعره): مصطلح «البطانة»، اخترعه «وعاظ البلاط»، كي ينزهوا الحاكم عن الخطأ، فيكون بذلك أعلى من الأنبياء والرسل، عليهم الصلاة والسلام، الذين حدثنا الله سبحانه وتعالى عنهم وعن أخطاء بعضهم، لكن «وعاظ البلاط» اخترعوا ديناً آخر، وألبسوه ثوب الإسلام، ولو خلعت الثوب، لظهر لك دين يشبه دين «هرقل».

وعندما تسمع شعباً يتهم بطانة حاكم ما بالسرقة، فاعرف أن المقصود هو «الحاكم يسرق»، وإن سمعتهم يقولون: البطانة تزدري الشعب، فالمقصود هو أن الحاكم يزدري شعبه… وهكذا. فقط يمكنك استبدال كلمة بطانة بكلمة الحاكم. شيل هذه وحط هذا، وتتضح لك الصورة.

باختصار، في عالمنا العربي، إن كان ثمة ما يستحق المديح، فهو يوجه إلى الحاكم، وإن كان ثمة ما يزهق الروح غضباً، ويرهق العين بكاءً، فلديك البطانة، قل عنها ما شئت، لتأمن في روحك، وعيالك، ودينك.. وقد لا تأمن.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *