محمد الوشيحي

اللي بعده

معالي وزير المواصلات عبد الرحمن الغنيم رجل دولة من الطراز الفاخر، تماما كما أن الزعيم الهندي الراحل غاندي بطل في رالي دكار… وزيرنا، أو وزير الشيخ ناصر المحمد الذي رأى فيه رجل المرحلة المؤهل لرعاية مصالحنا، وقّع بيده الكريمة على «وثيقة» إعدام الديمقراطية، أو وثيقة الدواوين كما سمّوها، ثم تراجع واعتذر. وكما تعلمت في مدرسة عبد الرحمن الدعيج المتوسطة للبنين، وفي الحياة أيضا، فإن من يشرب الحليب لا يعتذر. من يعتذر هو من أخطأ فقط.
إذاً رجل الدولة الفاخر عبد الرحمن الغنيم أخطأ، وخطأه لا يدخل من باب الأخطاء غير المقصودة، أي كما لو أنه كان يقود سيارته والنافذة مفتوحة فدخلت ورقة تائهة عليه وهو غافل «ما عنده من الشيطان طاري»، فأخرجت الورقة التائهة قلمه من جيبه وسحبت يده بقوة ليمضي عليها… هذا لم يحدث، إنما هو من وقّّع وبكامل إرادته وإدارته، فوقع هو بنفسه من شاهق.
كثيرا ما اشتكت أقلامنا صرف الحبر على نصائح نسوقها لسمو رئيس الحكومة، وننتقد فيها طريقة اختياره الوزراء ونوعيتهم، لكن نصائحنا كانت مثل كرة المطاط، نطلقها بقوة فتعود إلينا بالقوة نفسها، ومثل الشتيمة تعود إلى صاحبها، وهي لم تكن شتيمة إطلاقا، بل كنا حينها نتحسس كلماتنا، ونلونها بالألوان الهادئة ونغلفها وننثر فوقها ورود الهدايا، الحمراء الداكنة، ولم يصدقنا، حماه الرب، وها هو اليوم يكشف لنا ويكتشف، للمرة المليون، كم هي سيئة طريقته، بعد «العملة السودة» لوزير المواصلات. وهي واحدة من عمايل تجلب للوطن الحساسية وشلل الأطفال.
سمو الرئيس، حماه الرب، حيّرنا معه، فهو يحتج على تدخل النواب في طريقة اختياره للوزراء، ثم يقوم بتشكيل حكومة «هجص لبن تمر هندي مغشوش»، فيقوم اللبن والتمر المغشوش بسحب البلد من ياقة قميصه باتجاه التخلف والخيبة المضرية العريقة، فيغضب النواب وترتفع أصواتهم، فيطلب الرئيس من البرلمان التهدئة والتعاون، ويبدي غضبه هو الآخر قبل أن يتدخل في طريقة تعاملهم مع أدواتهم الدستورية، وهو الذي حذرهم بالأمس من تداخل الاختصاصات… وخذ عندك من التأزيم مؤونة شهرين وأكثر… إذاً السيد رئيس الحكومة حماه الرب هو الذي أمسك بالمسدس الصوتي وضغط على زناده ليبدأ السباق نحو التأزيم.
عبد الرحمن الغنيم ليس سوى رقم في كشف طويل يوضع يوميا على مكتب سمو الرئيس حماه الرب (نبهوني لو نسيت هذه الكلمة) فيه أسماء الذين لم يتم توزيرهم حتى الآن… وستستمر الحياة، الأيام تمر والأعوام تفر وسبحة الوزراء تكر والرئيس لا يزال على خطئه يصر والبلد على جبهته يخر… يا ولداه! الغنيم سيسقط أو سيحترق، أو سيسقط محترقا، وسمو الرئيس حماه الرب سيراجع الكشف اليومي، وسيشتكي من نواب التأزيم، فيحل البرلمان، ويعود سموه إلى طريقته القديمة في تشكيل الهجص الهندي المغشوش، ويقسم اليمين الدستورية ويسافر في كل الدنيا، قد تغدو امرأة يا ولدي عيناها سبحان المعبود، فمها مرسوم كالعنقود، ضحكتها أنغام وورود…! سمو الرئيس حماه الرب،  سؤال واحد يشاغلني شاغله الله: هل لا يزال الكشف الموجود على مكتبك طويلا؟ وبصيغة أخرى: «ريّضة سالفتنا»؟… أغضب الله من يغضب سموك، استمر ولا تقطع فرحتك بشطب أسماء وكتابة أسماء أخرى وسنستمر نحن بالدعاء لسموك والترديد: حماه الرب.

 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *