في تشكيل الحكومات تختلف الوسائل وتختلف الطرق. فهناك حكومة إنقاذ وطني وحكومة وحدة وطنية، وحكومة حرب وحكومة سلام. قد نتساءل تحت أي مسمى تقع الحكومة الجديدة في الكويت؟ فهي أقرب إلى حكومة إجماع من دون أن تكون حكومة إنقاذ وطني أو تنمية اقتصادية وتضامن فعال، كما هي مطالب الشعب الكويتي الحقيقية. فوجود الجميع في أعلى الهرم ووجود هذا الاختلاف كله في أعلى سلطة ضمان لصعوبة صنع القرار وعدم الاستمرار في مشروع التحول نحو مركز مالي وتجاري. فطبيعة التناقضات التي تتعايش في التشكيل الحكومي تجعلها أقل تجانساً، وبالتالي أقل قدرة على صنع القرار وتنفيذه والصمود أمام الضغوط المضادة التي ستأتي من كل مكان. إن وجود الأطياف القبلية والطائفية والسياسية كلها يجعل هذه الحكومة كالمدرعة وسط جموع من المشاة الذين يحيطون بها بالنقد والترقب. إنها في الجوهر أقرب إلى حكومة هدنة ومسايرة لكل طرف في ظل حال موضوعية تستدعي التنمية وصنع القرار السريع، ولهذا ستواجه عراقيل وضربات وستكتنفها الثغرات، وستكون تحت رحمة تناقضاتها وتلاعب القوى الفاعلة الواقفة على مسافة منها بمصيرها.
وقد تكون أوضاع الكويت السياسية هي المسؤولة أولاً وأخيراً عن هذا الوضع، وقد تكون هي التي وضعت رئيس مجلس الوزراء في هذا الإطار الصعب والتحدي المستمر، فكثرة الصراعات بين المجلس والحكومة والاختلافات السياسية بين اقطاب السياسة في الكويت من خارج الحكومة دفعت بالحكومة إلى تفضيل الاستقرار والإجماع خوفاً من الصراع المفتوح. وفي هذا يمكن القول إن وجهة النظر التي شكلت هذه الحكومة سعت إلى أخذ هدنة من المجلس من خلال هذا التشكيل، ولكن هذا برأينا سيساهم في تراجع التنفذ، وقد ينقل المشكلة إلى موقع آخر ومكان جديد في الواقع السياسي الكويتي.
لقد تسيس كل شيء في الكويت إلى حد أننا لا نستطيع أن نشكل حكومة الآن بلا محاصصة اجتماعية، وقد يكون هناك طرف أو اكثر كان يجب ضمهم إلى الحكومة لتكتمل الصورة فتكون محاصصة شامله لكل فئة وطرف. هكذا نشعر للمرة الأولى أن الكويت بدأت تسير في النفق المحاصصي، كما هي الحال في العراق ولبنان وغيرهما من البلدان. ونشعر أيضاً أن البلاد يجب أن تبحث في تمثيل كل فئة في المواقع الحكومية كلها، وإلا غضبت تلك الفئة بسبب استثنائها وعملت على إسقاط الحكومة. إن المحاصصة ضمانة لعدم التنفيذ، لأن كل طرف سيكون لديه تحفظ وكل طرف سيكون لديه رأي في مسألة أو أخرى، وهذا لا يمكن القبول به في ظل حاجة ماسة في الكويت لصنع القرار السريع والمباشر.
ونتساءل ماذا سيحصل مثلاً لو تم تكوين حكومة من طرف واحد، من رؤية تنموية، من تصورات متجانسة، من موقف متضامن؟ ماذا كان سيحصل لو تحدت الحكومة الجميع في المجلس وخارج المجلس في سعيها إلى التنفيذ والتحقيق وصنع القرار؟ في البلاد الديموقراطية ينتصر فريق واحد في انتخابات عامة فيشكل هذا الفريق حكومة تحكم بصوت الغالبية إلى أن تقع الانتخابات التي تليها فتأتي غالبية جديدة، فبلا غالبية لا يوجد حكم. هكذا تتشكل في الدول الديموقراطية حكومة تمثل غالبية لديها الحق في ممارسة خطها ورؤيتها وتصوراتها على مدى أربعة أعوام قبل أن تحاسب. في هذا يتم الإنجاز وتقع التطورات وفق اتجاه الناخب. أما في الكويت فكأنه لم ينتصر أحد، وكأن الغالبية هي غالبية عرقية وسياسية وليست غالبية برنامج وتصور وأطروحات. لقد جعلنا في التشكيل الحكومي الطائفة والقبيلة والعائلة أساس التشكيل وليس نتيجة من نتائج التشكيل. وفي هذا وكأننا اخترنا من كل لون فرداً، ومن كل مكان فكراً وأسلوباً وطرحاً. ولكن هذا لا يصنع حكومة فعالة قادرة على تحقيق التغير.
لو تمعنا في الانتخابات الكويتية الأخيرة وتساءلنا: ماذا أراد الشعب، وذلك لكي نقرر مدى تلاؤم من عدم تلاؤم التشكيل الجديد مع الحاجات الوطنية؟ من الواضح أن الشعب الكويتي يريد فوق كل شيء حلاً لأزمة البطالة التي بدأت تعصف بالشباب، ويريد حلاً لأزمة تدني الخدمات الصحية والتعليمية، ويريد حلاً للقضية الإسكانية، ويريد حلاً لمستقبل العمل والإنتاج، ويريد سعياً لأن تتقدم الكويت وتحقق التجديد والإصلاح. هذه قضايا عليها إجماع عام بين الناس كلهم. المواطن أراد من التصويت أن يرى توازناً بين الطبقات، واحتراماً للفئات كلها (لا في التشكيل الحكومي) بل في الإدارات والوظائف والأعمال. لقد صوت الناس لصالح تطبيق القانون، وضد الفساد، ولصالح التنمية وموقع الإسلام في البلاد. ولكنها أرادت في الوقت نفسه احتراماً واضحاً لقبائلها وطوائفها ونسائها ورجالها من دون أن يعني هذا توزيراً وفق حصص. المشكلة في الكويت ليست في التوزير، بل في ما يقع على الأرض وما يحصل في الواقع بين الناس وفي الحقوق والواجبات والمستقبل. إن توزيراً مبنياً على القبيلة والطائفة والفئة غير قادر على حل المشكلات القائمة على الأرض سوف يدخلنا في أزمة أكبر. كان المطلوب حكومة متجانسة تطبق برنامجاً، وإذا بحكومة غير متجانسة بينها وبين تطبيق البرنامج تحديات كبيرة.