د. شفيق ناظم الغبرا

أوباما والبيت الأبيض

بدأ العد الحقيقي للانتخابات الأميركية التي لن تخلو من المفاجآت الجديدة. لقد كانت عملية سعي كل من كلينتون واوباما لكسب ترشيح «الحزب الديموقراطي» انعكاسا لحالة صراع مرير في كل محطة. فقد تواجهت أكثر امرأة نجحت في الوصول إلى الترشيح الرئاسي مع باراك اوباما ذي الجذور الملونة والمختلف عرقيا وثقافيا. لقد أحدث هذا بداية تغير يزداد عمقاً في الولايات المتحدة. ففي هذا الصراع بين امرأة متميزة، وبين سياسي محنك ذي قدرات شخصية كبيرة من خارج الإطار الأميركي التقليدي ما يعكس طبيعة الولايات المتحدة التي تتفاعل مع التغير. في هذا المجتمع لكل فئة صوتها، ولكل من يمتلك طموحاً فرص جمة لاثبات النفس وإيصال الصوت. هكذا يعيد بالتحديد باراك صياغة القصة الأميركية بصفتها قصة فرص وصراع واختلاف. في هذا تضيف تجربة اوباما الشخصية والعامة الكثير من الجديد على الإرث الأميركي.
والواضح الآن أن الكاريزما التي يتمتع بها اوباما لعبت دورها في إيصاله إلى هذا الترشيح، ولكن في الوقت نفسه هناك انتقال عام في «الحزب الديموقراطي» وبين قواعده باتجاه اليسار مما ساهم في إضعاف وسطية كلينتون، ومحاولتها أن تكون بين اليمين وبين اليسار. إن يسارية اوباما تجاه الوضع الداخلي، وتجاه التنوع في الولايات المتحدة، وتجاه السياسة الخارجية التي امتهنها الرئيس بوش ساهمت بجدارة في نيله ترشيح «الحزب الديموقراطي».
وسيبقى التساؤل حول من سيفوز بمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل! ففرص باراك اوباما الديموقراطي أصبحت كبيرة. فبين ماكين  الجمهوري، وبين اوباما ستكون الفرص متساوية إلى حد كبير، وسيكون الفارق ضئيلا، وقد تريد الولايات المتحدة تجربة جديدة، واهتماما جديدا، ورؤية جديدة للعمل الدولي والعلاقات الدولية من خلال التصويت لباراك، وقد تسعى الولايات المتحدة في الوقت نفسه لصالح طريق الاستمرار بالسياسة الراهنة مع بعض التعديلات. لهذا فهذه الانتخابات مرتبطة بالوضع الراهن، بين استمراره وبين تغيره. بمعنى آخر سيكون الاختيار بين ماكين: وهو استمرار لبوش مع بعض التعديلات، وبين اوباما وهو يمثل اختلافا في التوجه، وإن كان سيتلاقى مع السياسة الخارجية الأميركية التقليدية في الكثير من الأمور.
ولكن الذي سيقرر نتيجة هذه الانتخابات هو خليط بين الأوضاع الخارجية: الحرب في العراق، آفاق المواجهة مع إيران، العلاقات الدولية، من جهة، والاقتصاد والوظائف من جهة أخرى. إن الوضع الاقتصادي من حيث البطالة أو عدمها، ووضع الدولار وسقوطه، والوظائف، والتضخم، أمور أساسية ستقرر الفارق بين مرشح وآخر. فمن من المرشحين الاثنين سيكون أفضل لاقتصاد أميركا، ومن سيكون الأفضل في التعامل مع الدولار الذي يتراجع ويفقد قيمته كل يوم، ومن الذي سيكون أفضل في التعامل مع مشكلات الفقر، والوظائف والحاجات اليومية للناس في المجالين الصحي والتعليمي؟ إن إعادة بناء أميركا تتطلب حكومة قوية، وتتطلب نسبة من الاشتراكية التي قد تجد في يسارية اوباما ما يمثلها أميركيا.
وبغض النظر عمن سيكون رئيس الولايات المتحدة المقبل… اوباما أم ماكين، فإن ظاهرة اوباما قد أسست لوضع جديد في الولايات المتحدة على أكثر من صعيد. لقد وضعت الظاهرة الأساس لوجه جديد يمثل الولايات المتحدة، ويسعى لإدارة دفتها بعيداً عن الاستخدام المتسرع للقوة أم الاستخدام الاحادي للقدرات. أكان اوباما في البيت الابيض أم في مجلس الشيوخ فهو أصبح يمثل قوة تغير رئيسية تعصف الآن بالولايات المتحدة.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *