سعيد محمد سعيد

دبي…

كان صديقي الإماراتي يعبر عن هزيمته (مازحًا) حين تحدث عن (خسارته للرهان)، لكنه في غاية الاعتزاز! الرهان كان على جهود سلطات الدفاع المدني والشرطة وكل مرافق وزارة الداخلية بدولة الإمارات العربية المتحدة في حادثة احتراق أحد الفنادق في يوم الخميس (31 ديسمبر/ كانون الأول 2015)… أي في احتفالات رأس السنة، وكيف كانت حرفية عمل شباب الإمارات في تلك القطاعات على رغم صعوبة الموقف.

ولب الرهان كما أخبرت بعض الأصدقاء حينها، أن جهود هذه القطاعات (ستكون ضمن قائمة المكرمين للأداء المتميز في دبي وهم يستحقون ذلك)، ولم يكن أحدهم يتوقع أو حتى يتفاعل مع الفكرة! فمن جهة، ما قامت به تلك الجهات هو من صميم عملها وواجبها، ومن جهة أخرى، فإن هذا القطاع لم يكن يومًا يحظى بالتكريم الكبير.

خسارة (صديقي للرهان) كانت خسارة مربحة، فقد كان سعيدًا بتكريم الدفاع المدني على جهودهم في السيطرة على الحريق ضمن برنامج دبي للأداء الحكومي المتميز في دورته التاسعة عشرة يوم الثلثاء (19 إبريل/ نيسان 2016) على يد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وحقيقةً، فإن دبي تستحق الإشادة ورفع القبعة؛ كونها تستهدف أبناءها المبدعين والمتميزين والمبتكرين – دون اعتبار لدين أو مذهب أو مستوى اجتماعي أو طبقية – وترصدهم و(توجبهم) بتكريمهم في محافل متعددة اختارت لكل محفل اسمًا ومضمونًا وهدفًا وحفلًا دون حواجز أو موانع يضعها فلان وعلان.

لذلك، فإن دبي لا تعجزها الأفكار التحديثية والريادة؛ كونها لا تمنع مبدعًا من أبنائها من أن يتقدم ويصعد منصات الإبداع بسبب مذهبه أو طائفته أو حتى ميوله السياسي أو معتقده الفكري… هناك، يتضاعف المبدعون بكل حرية… حينما التقيت سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لأول مرة في دبي العام 2005 ضمن جوائز الصحافة في مهرجان دبي للتسوق وكنت حينها الفائز بجائزة أفضل تحقيق صحافي خليجي، كان سموه يتحدث إلى الزملاء الفائزين بالقول: «في الخليج وفي الوطن العربي… لدينا طاقات قادرة على الابتكار… ما تعجزكم الأفكار اليديدة. شمروا عن سواعدكم والله يوفجكم»، لهذا لم يكن غريبًا أن تتجاوز دبي بكل قوة وثبات المعوقات، ولم تعجز في أن تكون لها قدرتها الذاتية في تجاوز المحن، لكن ذلك – كما هو واضح – قائم على جهود الشباب الذين نراهم يتولون المناصب القيادية في العديد من المرافق المهمة… أما الأكبر سنًّا، فهم موجودون أيضًا بخبرتهم واستشاراتهم، وليس بكروشهم الكبيرة ونعاسهم الدائم وترهلهم في إدارة العمل كما يحدث في العديد من البلدان «الدايخة».

في العديد من القطاعات والتخصصات، ومنها القطاع الإعلامي ممثلًا في نادي دبي للصحافة، لا تجد الأبواب موصدة من جانب الإخوة هناك في حال الحاجة إلى التعرف على بعض التجارب الإدارية والتنموية والاقتصادية الناجحة في دبي، وسواء كان ذلك عن طريق التواصل الميداني أو بالمراسلات الإلكترونية، فإن ثمة تفاعلاً مخلصاً بتوفير المعلومات والبيانات، وتطبيق متطلبات الاقتصاد المعرفي يفتح المجال للاطلاع على أفكار جميلة ورائدة يمكن أن تُنقل إلى الكثير من البلدان، للاستفادة منها إن كانت «الإرادة والقناعة» متوافرتين، وحتى على مستوى الإنتاج الثقافي المقدم للطفل على سبيل المثال، وهو قطاع مهم، يمكن أن نلمس اهتمام دبي بالإصدارات والمنتجات الخاصة بالطفل باعتبارها مرتكزًا لتنمية قدرات ومهارات وشخصية الطفل؛ لكي ينشأ متمتعًا بشخصية قادرة على الإبداع.

قال صاحبي ممازحًا بعد أن عبر عن اعتزازه بالمساحة الإبداعية المفتوحة للجميع: «دبي التي تموت…. أقصد بالطبع تموت فيها الأفكار السوداء وتموت فيها ممارسات الإحباط وتموت فيها كل غرسة سيئة؛ لأن تربتها تعيش فيها أفكار الإبداع والإنتاج»… حقًّا، ما الذي يمنع كل بلداننا من أن تستفيد من تجربة دبي التطويرية وتترك عنها الواسطات والمحسوبيات والتمييز والطائفية وهذا ولدنا… وهذا مو ولدنا لتبقى في دوامة الأداء المتخلف؟ على الأقل، لننظر إلى مستقبل أبناء الوطن، فلا أحد يريد لهم أن يعيشوا حالة البؤس وهم في قمة العطاء والإبداع.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *