حسن العيسى

بمكانك سر وخلفك در!

بعد الجلسة الأخيرة لمجلس “ألعن خيرك، قبيض” يفترض أن الحكومة بصفتها الولي الشرعي له أدركت واقتنعت بأن مجلسها لا يمكن التعويل ولا المراهنة عليه حين يكون الحديث عن فتح ثقب – مهما كان صغيراً- في الأزمة الاقتصادية المالية التي تمر بها الدولة الآن، والتي ستغرق البلد بمن فيه خلال السنوات الخمس القادمة تقريباً.
نواب مجلس “ألعن خيرك” وحتى الوزراء المنتخبون تراجعوا أو وجدوا أي عذر كي لا يقفوا مع مشروع رفع الدعم عن الكهرباء، ووجد الجميع مخرجهم باستثناء السكن الخاص أو الكويتيين من تحمل فاتورة المشروع الحكومي، لأن مثل التصويت مع المشروع يعني حرق شعبيتهم، والديرة بكاملها، إن كنتم تعرفون، من ألفها إلى يائها، تحيا على الشعبويات والفساد الذي تغذيه بطريقة الرشا والمصالح الخاصة والمحسوبيات لكل مجموعة ولكل فئة حسب انتمائها وقربها من فرق القرار السياسي.
السلطة تعي تماماً هذه الحقيقة، لأنها خلقتها بداية، وأدارت شؤون الدولة خلالها منذ عقود طويلة، كي يصبح الاقتصاد والسياسة في إجازة مستمرة، ومع هذه الإجازة يصبح الإنجاز والالتزام بقيم العمل وحكم القانون في إجازة موازية، ويغط الوعي الشعبي بصورة عامة في خدر اللامبالاة لما يحدث حوله حين يخادع نفسه بحكمة “الحكومة أو الشيوخ أبخص”.
بذلك النسق ترتاح السلطة من صداع تطلعات المشاركة السياسية الحقيقية، وعبر هذا العقد الاجتماعي غير المصرح به ومضمونه لا ضرائب ولا مساهمة بالأعباء المالية على المواطنين مقابل الصمت من الناس، سكت الكثيرون على تفرد السلطة بالحكم، يرافقه لا اكتراث للنهب المبرمج لمقدرات المستقبل، وحين يتكلم البعض بصوت الرفض ينتهون عادة بالملاحقات السياسية.
رفع الدعم عن الطاقة سقط بالأمس، وندرك أنه لن يحل من أزمة الاقتصاد الخانقة، إلا أنه كان مؤشراً لما يمكن صنعه بالمستقبل لمواجهة الأزمة، مثل فرض رسوم مبيعات عالية على بعض السلع الكمالية، وفرض الضريبة على أنشطة اقتصادية معينة، وإعادة تسعير إيجارات أملاك الدولة التي تقدم برخص التراب للمنتفعين… إلخ،،
كل تلك القضايا التي قد تكون وردت بوثيقة الإصلاح الاقتصادي أو طرحها المهتمون لحالة الخبيصة والشلل اللتين نحيا بهما، لا جدوى منها ما لم يكن هناك إيمان وإرادة جدية من السلطة بالالتزام بالإصلاح، بما يعني تفكيك مفاصل الدولة وإعادة تركيب وبناء مؤسساتها بإصلاح سياسي شامل وبتضحيات مؤلمة من الكبير قبل الصغير، وحتى هذه اللحظة لا تظهر أي علامة على جدية من أهل القرار لهذا المنحى، ويظهر بوضوح أنهم في حالة تردد وحيرة عقليتين ستنتهيان بمثل “خل القرعة ترعى”، وبمكانك سر وخلفك در.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *