حسن العيسى

«من يوم ما انسرق البساط»

لا يوجد استبيان، لكننا نتحسسه ونشعر به كحمل ثقيل يجثم فوق الصدور، ولا يبدو أي بصيص أمل لينزاح عن وعينا وأحلامنا، هو الجو العام الخانق الذي نحيا به هذه الأيام، وهذه الشهور الطويلة منذ لحظة إدراكنا أن أمورنا أضحت سيئة وستمضي للأسوأ، نردد مع أوبريت بساط الفقر “من يوم ما انسرق البساط والحالة كسيفة”، مع ان بساطنا الكويتي -والخليجي- لم يسرق رغم أن سرقات ضمانات الحاضر والمستقبل لم تتوقف، ولكن بساط ألف ليلة وخيبة طار من دون ركاب.
كان من المفروض أن نعلم منذ زمن طويل أن رياح التغيير ستطيح بخيامنا وأبسطة نفطنا، كان علينا أن ندرك أنه بحياتنا يوجد غلط كبير وشذوذ غير مفهوم في وضعنا، أموال توزع وتوهب دون مقابل، والملايين تغدق على الحواة الشطار الذين عرفوا دروب “الخير” في ديرة الخير. كان من الواجب أن نفهم أن “نواخذتنا وبحريتنا” لم يقرأوا خريطة الطقس رغم أن من شروط الوظيفة العالية أن يكون صاحبها يعرف يقرأ ويكتب عبارة: مع حمد قلم عدة مرات، وأن يكون معه شهادة من جامعة ملعوب بها أو من مجمع تجاري شيد حسب شروط “بي أو تي” بمعنى “بوق ولا تخاف”، كما ترجمها أحمد السعدون.
لم يتعلم الكبار أو الصغار الذين يدورون في فلكهم بعد سلب وعيهم بزمنهم من دروس عواصف ماضية، كانوا يحسبون أن الأمور خالدة، وأن الزمن مفصل على مقاييس أجسادهم المنتفخة، ومثلما سارت أمورنا على بركة الصدفة، ستمضي بها البركة إلى ما شاء الله.
إحباط ويأس وغضب مكتوم وقلق من القريب القادم، ماذا سيكون وكيف سنكون؟ رفع الدعوم، زيادة رسوم، ضرائب، تخفيض العملة، تضخم أو كساد أو الاثنان معاً، غياب فرص عمل في الحكومة وفي قطاعها الخاص التابع. ما العمل؟ يظل فرسان المجلس يزعقون دون توقف: لا مساس بجيب المواطن، ولن نرضى أن يمرر الموس فوق الرؤوس…! حفلات مزايدات وتكسب لشعبويات ليس لها أول ولا آخر، بينما الزمن يشحذ سيفه لبتر الرقاب، وجماعة المجلس يتحدثون عن أمواس من دكاكين الحلاقة… كرة العجز تكبر في كل لحظة، ومازال “سيفوه” الحكومة والمجلس على حطة إيدكم، قدم للأمام وعشرة للخلف.
الأمواس شقت جيوب المستقبل إذا كنتم تدرون أو لا تدرون، لكننا مازلنا نريد حلولاً من دون تضحيات، ونريد راحة بحبوحة الاستهلاك تمضي بدروبها دون توقف، نريد متابعة مسلسلات “سوب أوبرا” التركية والمصرية، ومسلسلات رمضان في حفلات التسابق بالعرض بقنوات السخافة العربية بعد وجبة فطور دسمة طبخها الهندي والفلبينية، نريد أن يدفع الكبار الذين طووا البساط تحت آباطهم ومضوا الثمن قبل أن يدفعه الغير…! كيف يمكن ذلك إذا كان وعينا بالأزمة مازال محصوراً بدكاكين الحلاقة بمجمع المجلس وعند حكومة مشاريع تهدئة الخواطر…؟!
من غير ألم ومن غير معاناة ومن غير وعي وهذا الأهم… لا مستقبل لنا غير الضياع، فلسنا أفضل من غيرنا من إخواننا العرب الذين يعانون الفقر والتشرد والجوع… اصحوا يا ناس، فالبساط سرق أو طار… لا فرق.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *