عيد ناصر الشهري

المؤسسات الأكبر ليست بالضرورة الأفضل

كشف ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ان المملكة بصدد تأسيس صندوق سيادي ضخم قد يصل حجمه الى ترليوني دولار. والهدف من الصندوق هو إنهاء اعتماد المملكة على النفط. وقال أيضاً ان المملكة قد تطرح ٥٪‏ من آرامكو للبيع وتحويل باقي الاسهم الى صندوق الاستثمارات العامة. وتعتبر هذه الخطط نظرياً مقبولة الا انها عملياً صعبة التطبيق. المشكلة الاكبر هي ان تأسيس الكيانات الأضخم في العالم تركز عملية اتخاذ القرار بشكل كبير، ولا يوجد طريقة واضحة لتحديد المسؤولية وقياس الأداء.

تقييم اسهم ارامكو

لا توجد اموال كافية في العالم لشراء اسهم في شركة آرامكو. ولذلك لن يكون السعر مناسباً. وعند الحاجة للبيع سيكون هناك ضغط كبير على الاسهم المدرجة، وتبيع الحكومة اسهمها عن اقل الأسعار. ومن الصعب جداً الحصول على قيمة عادلة لأكبر شركة في العالم بسبب كبر الحجم وغموض التوجيهات لادارة الشركة. ولو افترضنا بان قيمة آرامكو السوقية هي ٣ تريليونات دولار. وتم عرض ٥٪‏ فقط من الاسهم للبيع. تصبح قيمة الاسهم المعروضة ١٥٠ مليار دولار. وقد كان اكبر اكتتاب في التاريخ هو اكتتاب شركة علي بابا التي استطاعت ان تجمع ٢٢ مليار دولار فقط. والسقف الأعلى لأي اكتتاب يحدده كمية الاموال الموجودة وتوقعات المستثمرين. لذلك يعتبر مستحيلاً من الناحية العملية بيع اسهم في اكتتاب أولي بقيمة ١٥٠ مليار دولار. لذلك قد يتم تسعير الحصة المعروضة للبيع بمبلغ ٢٥ مليار بحد أقصى، مما يجعل قيمة شركة آرامكو الكاملة تصل الى ٥٠٠ مليار دولار فقط.

تدني عوائد الصندوق السيادي

سوف يكون العائد على استثمارات الصندوق السيادي منخفضا جدا بسبب حجم الصندوق من جهة، وبسبب الادارة الحكومية من جهة اخرى. ومن الصعب جذب المواهب الاستثمارية واستثمار اموالها. لذلك من الأفضل عدم وضع الاصول التجارية في يد موظفي الحكومة الذين لا يوجد لديهم حوافز كافية للاستثمار بشكل امثل. ويعتبر اداء الصندوق السيادي النرويجي اكبر مثال على صعوبة تحقيق عائد مناسب للأصول الكبيرة. حيث من المتوقع ان يعلن الصندوق عن خسائر محدودة عن سنة ٢٠١٥. ومع كبر حجم الصندوق تزداد صعوبة تحركه في أسواق المال بدون خلق تأثيرات في الأسعار، وهو ما يسبب رد فعل في الدول المستقبلة لرؤوس الاموال.

اعتماد اللامركزية

التوصية الاولى اتخاذ قرار بتقسيم آرامكو الى شركات اصغر، وكل شركة تختص في قطاعات جغرافية مختلفة (آرامكو الشرقية وآرامكو الجنوبية وآرامكو الغربية وآرامكو البحرية). وبعد خلق تلك الكيانات، تستطيع المملكة بيع جزء من تلك الشركات للمستثمرين الأجانب. وبعدها تتوافر بيانات مالية دورية تبين مدى فعالية الإدارات القائمة على تلك الشركات. ويستطيع المسؤولون الحكوميون مقارنة الأداء بين تلك المؤسسات وتحديد الحوافز المناسبة في حال النجاح او الفشل. ومن المناسب أيضاً تقسيم الصندوق السيادي الى عدة مؤسسات استثمارية وتشجيع المنافسة بينها. ولا يجب ان يكون هناك تحديد جغرافي للمناطق التي يتم الاستثمار بها. بل إعطاء مرونة عالية للقيادات القائمة على تلك الصناديق السيادية الأصغر حجماً. ويجب أيضاً وضع نظام حوافز يرتكز على استحقاق المكافآت على عدة سنوات، مما يضمن عدم السعي وراء الربح السريع. وتتيح هذه الكيانات المتعددة الفرصة لمتخذي القرار بان يقارنوا بين القيادات المسؤولة عن تلك الصناديق. ويعتبر الجانب الاصعب هو تحديد كيفية توزيع الإيرادات والأرباح الناتجة من بيع النفط بين المؤسسات الاستثمارية المذكورة. وهنا يأتي دور وزير المالية الذي عليه المسؤولية النهائية لتوفير اموال لتلك المؤسسات او الطلب منها ان تدفع الأموال لخزانة وزارة المالية.

الاستثمار في البنية التحتية

بعد سنوات من عمل الصناديق السيادية العالمية، اصبح التوجه الاكبر في الفترة الأخير هو الاستثمار في البنية التحتية للدول الصناعية. ويحقق هذا التوجه ربحا مناسبا وقابلا للزيادة في حال ارتفاع الأسعار. لكن استثمار الصناديق السيادية اموالها لتطوير البنية التحتية للدول الاخرى، وتجاهل مواطنها الاساسية يعتبر خطوة لها تبعات سيئة على الاقتصاد المحلي. وتتمتع السعودية بجغرافية متميزة تجعل الاستثمار في ربط المدن السعودية بالقطارات السريعة ذا جدوى عالية. وهذا الاستثمار سوف يحقق عوائد مناسبة في المستقبل. والاهم من ذلك هو ان تطوير البنية التحتية في السعودية سوف يطور البيئة التجارية والصناعية والمالية بشكل كبير. وهذه الاستثمارات تساعد بالنهاية على ازدهار الاقتصاد السعودي، وتقلل من الاعتماد على النفط.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

عيد ناصر الشهري

شركة الأجيال القادمة للاستشارات
e7sibha@
* تقدم الشركة خدمات إعادة هيكلة للشركات المتعثرة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *