فضيلة الجفال

جليد جنيف .. والملفات الساخنة

تشهد سويسرا تاريخا من المفاوضات السياسية، تستقبل طوال الأعوام المتفاوضين والخاسرين والاقتصاديين والسياسيين ومجرمي الحرب والأثرياء. كانت جنيف مقر عصبة الأمم، على الرغم من أنها لم تشارك في الحرب العالمية الأولى. وثاني أكبر مكتب للأمم المتحدة في جنيف منذ عام 1946 على الرغم من أن سويسرا لم تنضم للأمم المتحدة حتى عام 2002. ومقر “أوبك” حتى 1965 على الرغم من أن سويسرا ليست واحدة من الدول المنتجة للنفط. وجنيف مقر لعدد من المنظمات الدولية، وهي البلد الذي وقعت فيه معظم المعاهدات الدولية. سياسة الحياد وعدم التدخل في الشؤون الدولية هي سياسة صارمة في سويسرا. ولما يقرب من 500 سنة رفضت سويسرا أن تكون عضوا في أي تحالف عسكري أو معاهدة دولية، حتى أنها ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي على الرغم من موقعها الجغرافي. وغالبا ما تقدم نفسها كوسيط بين الدول المتحاربة، وتتصرف كقوة حماية واستضافة ورعاية للمصالح الخارجية، ولا سيما في السفارات السويسرية في كل مكان.

المدينة المصيف والمشتى، تجمع على طاولاتها ملفاتنا الشائكة. وبينما تتساقط الثلوج في جنيف، يفكر المتفاوضون بشأن الحل السياسي في سورية، بعد خمس سنوات من الحرب والتدمير ومقتل أكثر من ربع مليون سوري وتهجير نصف الشعب الذي طرق أبواب أوروبا، بدأ العالم يفكر في الحلول السياسية الجبرية. العالم الذي يعيش أزماته الاقتصادية الآن غير قادر على أعباء جديدة، وعامل الوقت لم يكن كافيا لحل تلقائي، وعامل الوقت حتى الآن لم يكفل جر المستفيدين كإيران وروسيا إلى مستنقع اقتصادي سياسي، وعامل الوقت لم يجعل الحل ممكنا على عاتق القوى الإقليمية وحدها، بل إن عامل الوقت كان مدمرا، ويجر المنطقة والعالم معها إلى مستنقع كبير. من ذلك تفاقم الإرهاب، وقصف وتجويع وتهجير مزيد من السوريين على يد نظام مجرم.

كل ذلك يحدث والرئيس الأمريكي أوباما يسعى إلى الانتهاء من مدة رئاسته بأكبر حمولة دبلوماسية تنأى بالقوات الأمريكية عن الحروب في المنطقة، تماما كما الابتعاد عن الصراع المباشر مع روسيا وإيران. وقد حث جون كيري الأطراف المتفاوضة في بيان أخير بقوله “في النهاية، ليس ثمة حل عسكري للصراع، ومن دون مفاوضات سيستمر حمام الدم حتى تستحيل آخر مدينة إلى أنقاض، وافتراضا كل بيت، وسيدمر كل شكل من أشكال البنى التحتية وكل مظهر من مظاهر الحضارة، أحض كل الأطراف على انتهاز هذه الفرصة والمضي قدما مع وضع مصالح البلاد في أذهانهم. فمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وضع إطار عمل لإنهاء الحرب الدائرة في سورية، ونحن ندعو كل الأطراف في جنيف لاتخاذ أولى الخطوات العاجلة وعدم إضاعة الفرصة التي تقدمها هذه اللحظة”.

أعادت المعارضة السورية في جنيف قائمة مطالبها الإنسانية كرفع الحصار وإطلاق السجناء ووقف قصف المدنيين. وهي بحد ذاتها واجبات نصت عليها القرارات الدولية ومجلس الأمن ولا ينبغي أن تكون شروطا من قبل طرف. ويخشى بل يتوقع كثيرون أن ينتهي لقاء هذه الأيام إلى فشل ذريع، شأنه شأن اللقاءين الأول والثاني في جنيف، حيث مستجدات التدخل الروسي الآن قد تشعر نظام الأسد أن بإمكانه أن يفرض رؤيته للحل. ويبقى التدخل العسكري لإنهاء الأزمة، التي قد تخرج الأمور عن السيطرة تماما، الخيار الصعب في حال فشل المفاوضات. وهو الأمر الذي أشار إليه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

فضيلة الجفال

كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]
twitter: @fadilaaljaffal

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *