سامي النصف

أمة العرب الحزينة!

مقاطعة المعارضة السورية لاجتماع «جنيف 3» أيا كانت مبرراتها الانسانية، تعني بالتبعية تأخر بدء خارطة طريق مؤتمر فيينا الأخير الذي نص على بدء تلك الاجتماعات في يناير 2016 على ان يتلوها بعد 6 أشهر تشكيل حكومة مشتركة بين النظام والمعارضة تنتهي بقيام انتخابات رئاسية وبرلمانية سورية حرة تشرف عليها الامم المتحدة خلال 18 شهرا، وهو ما يعني في حال الالتزام بتلك الخارطة خروج الرئيس بشار وحلفائه الاقليميين والروس من سورية ومعهم «داعش» وحلفاؤها العرب والأجانب في منتصف العام المقبل.
***

ان مقاطعة اجتماعات «جنيف 3» من قبل المعارضة ترف بالغ لا يحتمله الشعب الروسي، ويعني بالتبعية تحمل المعارضة للمسؤولية التاريخية بفشل تلك الخارطة والبدء بعد 5 سنوات اخرى من الدم والهدم والتجويع والتهجير بمحاولة خلق خارطة طريق جديدة مختلف عليها وليستمر بقاء الرئيس بشار في الحكم للأبد، وتستمر معاناة المناطق المحاصرة والشعب المهجر وتستمر عمليات الاستبدال والاحلال الديموغرافي للسكان ومعها طلعات البراميل المتفجرة وكثافة تدخل الجيش السوري جوا وبحرا وبرا الذي ما دخل سورية ليخرج، حيث حقق القيصر بوتين حلم القياصرة الأولين بالوصول لمياه البحر الابيض المتوسط الدافئة.

***

ان مخطط التآمر على سورية يقتضي كالعادة عمليات توزيع الادوار ومشاركة من بعض قيادات المعارضة التي يوجب عليها الدور الدعوة للمقاطعة لتتحمل المعارضة لا النظام مسؤولية فشل تلك الحلول ولتبقى في النهاية الاوضاع المأساوية وعمليات التهجير والاحلال لسنوات طويلة قادمة ليتحقق مشروع خلق دويلات طائفية وعرقية تتناحر الى الأبد (البلقنة)، وتؤجج في الوقت ذاته التناحر بين مكونات شعوب المنطقة ولتشطر وتقسم سورية كما قسمت فلسطين، وهو ما يضمن بقاء ملايين السوريين الذين هاجروا للاردن ولبنان وباقي دول العالم في مهجرهم كما بقي اللاجئون الفلسطينيون الذين خدعهم الحاج المفتي امين الحسيني الذي تم إلباسه عمة التدين وجبّة الوطنية والممانعة ليقود البسطاء الى ما يريده اعداؤهم، فاحذروا يا أهل سورية من تكرار الخديعة والمأساة.

***

آخر محطة:

(1) بعض متشابهات القضية الفلسطينية والمسألة السورية، رفض الممانعين الفلسطينيين كل الحلول الواقعية التي تقدمت بها اللجان الملكية البريطانية (1917 ـ 1937) وآخرها «لجنة بيل» التي اعطت الفلسطينيين دولة فلسطينية مستقلة على 90% من الارض فرفضها أمين الحسيني ودعا الى تخوين وقتل من يقبل بها، وسلط عليهم منظمة الكف الأسود (داعش ذلك العصر) التي قيل انها قتلت من الفلسطينيين أكثر مما قتله الاسرائيليون والانجليز مجتمعين!

(2) يقول مؤرخ العصر توينبي ان سقوط حكم آل رومانوف الروسي أزال آخر حماية عن العرب الفلسطينيين، وكان لـ «القيصر الاحمر ستالين» دور مدمر في مسار القضية الفلسطينية لا يقل عن دور «القيصر الابيض بوتين» هذه الايام في مسار المسألة السورية.

(3) لغة الارقام التي لا تكذب توضح حجم الكارثة التي يعيشها العرب في هذا الزمن الاغبر.. مساحة فلسطين الكلية 27 الف كم2، وعدد اللاجئين عام 1948 يقارب نصف المليون، مساحة سورية (فلسطين الجديدة) 185 الف كم2 وعدد مهجريها ولاجئيها يقارب 10 ملايين لاجئ.

(4) «أضاع» العرب قبل 5 سنوات دون ان يشعر او يبكي احد، جنوب السودان (سلة الغذاء العربي) الذي تبلغ مساحته 300 الف كم2 والمليء بالنفط والمعادن والانهار والامطار طوال العام عكس الشمال الصحراوي، وسيضيع سريعا وعلى الطريق العراق ذو الـ 440 الف كم2 و35 مليون نسمة، الذي سيقسم الى دويلات عرقية وطائفية متناحرة يشغلها تناحرها عمن يسرق ثرواتها ويهدم بنيانها ويحيلها الى دويلات فاشلة دائمة.. ويا قلب العرب احزن!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *