سامي النصف

العمل من خلال خطة العدو!

كان الانتصار الباهر والتضحيات الجسيمة التي قدمها الاتحاد السوفييتي إبان الحرب الكونية الثانية ضد القوات النازية التي سامت شعوب دول غرب أوروبا العذاب، سببا رئيسيا في وجود أحزاب ماركسية قوية في دول غرب أوروبا كحال إيطاليا وفرنسا وإسبانيا واليونان والبرتغال بعد ان تحولت دول شرق أوروبا للشيوعية، حتى أصبح البعض منها كالحال في إيطاليا وفرنسا قاب قوسين أو أدنى من المشاركة الشيوعية في الحكم.
***

بدأت في الستينيات قوى دولية بالتعاون مع السلطات الأمنية مع بعض الدول الغربية بتطبيق نظرية «العمل من خلال خطة العدو» اي خلق قوى متطرفة تدعي الماركسية ثم دفعها للقيام بعمليات إرهابية كبرى مثل التفجير بالأماكن المزدحمة والاغتيالات والخطف كحال خطف رئيس الوزراء الإيطالي الدو مورو وقتله من قبل منظمة الألوية الحمراء التي تدعي الماركسية قبل إشراكه الشيوعيين معه بالحكم وتأجيج مظاهرات طلابية تدعي اليسارية عام 1968 في باريس التي دفعت الرئيس ديغول للاستقالة من منصبه عام 1969 وكان احد الداعين لانسحاب فرنسا من حلف شمال الاطلسي.

***

وقد استخدمت الخطة نفسها وفي الحقبة الزمنية نفسها في منطقة الشرق الأوسط حيث تم طبخ عدة انقلابات عسكرية في العراق 1968 وليبيا 1969 وسورية والسودان 1970 وترك لأنظمتها ادعاء اليسارية والقومية والقرب من الاتحاد السوفييتي ثم القيام بكل الموبقات من قتل وتعذيب وفساد مالي وشنّ حروب خاسرة كي تنتقل كراهية شعوبها لها الى ما تدعيه من أفكار وما تحمله من شعارات ولم يكن الاتحاد السوفييتي راضيا على الإطلاق عمن يدّعون التحالف معه وصداقته وهم ينكلون ويعدمون الشيوعيين في بلدانهم والبلدان الأخرى، كانقلاب صدام على الشيوعيين عام 1978 وإصداره حكم الإعدام على من ينتمي للحزب الشيوعي العراقي، ومثله دخول جيش الاسد الى لبنان عام 1976 لمحاربة القوى الفلسطينية واليسارية والماركسية المسماة بالقوى الوطنية لصالح القوى اليمينية اللبنانية المتحالفة مع اسرائيل، ومثل ذلك قيام القذافي في يوليو 1971 بإفشال انقلاب هاشم عطا الماركسي على النميري عبر إنزال طائرة الركاب البريطانية التي تقل قادة الانقلاب كأبوبكر نور ورفاقه القادمين من لندن الى الخرطوم لدعم الانقلاب الذي أعلن باسمهم، كما زرعت مخابرات صدام قنبلة بطائرة القيادات الشيوعية السودانية التي توجهت من بغداد للخرطوم فانفجرت بالجو وقتل ركابها، وجميعها من أعمال من يدعي صداقة الاتحاد السوفييتي بالعلن ويعمل على تدميره بالسر، واذا كان هذا فعل الصديق والحليف فماذا يفعل العدو؟!

***

والأرجح ان نهج «العمل من خلال خطة العدو» قد امتد في الثمانينيات والتسعينيات وما بعدها حتى يومنا هذا للحركات الإسلامية بكل توجهاتها ومذاهبها وقبلها التنظيمات الفلسطينية حيث تسابقوا على القيام بالأعمال الإرهابية الشنيعة التي تنفر الناس منهم ومن القضايا التي يتبنونها والشعارات التي يرفعونها ولازالت تنظيمات مثل القاعدة وداعش وأنصار الله وغيرها تدمر الدول الاسلامية تحت رايات الاسلام.. ويا لها من خطة ذكية ناجحة تعتمد على ان شعوبنا الساذجة تصدق ما تسمع من أكاذيب وتكذب ما ترى من حقائق!

***

آخر محطة:

(1) تنقّل قيادات داعش هذه الأيام بين العراق وسورية وليبيا يذكرنا بتنقل قيادات تنظيم بونضال المشبوه سابقا بين بغداد ودمشق وطرابلس رغم دعاوى العداء بينهم إلا انهم كانوا جميعا يوفرون له الأموال والجوازات لعملائه للقيام بالعمليات الإرهابية الشنيعة باسم القضية الفلسطينية لتدميرها!

(2) في كتاب صدر قبل أشهر لنائب الرئيس السوري فاروق الشرع تطرق ضمنه لقضية الإرهابي نزار هنداوي الذي شوه سمعة الفلسطينيين والعرب عندما أعطى زوجته الايرلندية الحامل منه شنطة قبل سفرها بالطائرة كان يفترض ان تنفجر فوق لندن فتقتل 375 راكبا بالطائرة ومئات الأبرياء على الأرض، ويعترف الشرع بأن نزار وهو أردني من أصل فلسطيني رفضت السلطات الأردنية منحه جواز سفر بسبب عمالة والده للموساد، ويرى الشرع ان نزار كذلك إلا انه يقر بأن السلطات السورية منحته جواز سفر سوريا ديبلوماسيا لتسهيل دخوله الى لندن للقيام بعمليته المكشوفة.

(3) مثل ذلك عملية بونضال في محاولة قتل السفير الاسرائيلي في لندن صيف 1982 م والتي مهدت لغزو اسرائيل للبنان وكانت اسرائيل تبحث عن الذريعة فوفرها بونضال.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *