عيد ناصر الشهري

يطلبون من المواطنين تقشفاً ويمعنون في البذخ الحكومي

كيف تملك دولة الكويت احتياطيات نقدية تقارب 180 مليار دينار وتحقق عجزا في الميزانية؟ سؤال يتكرر في أذهان المواطنين، ويثير الشكوك حول الفساد في المؤسسات المالية. لكن الواقع هو انه يجب على الحكومة توفير معلومات بشكل افضل حتى يكسبوا الدعم الشعبي للقرارات المصيرية. لذلك تكون الحاجة للتخاطب بطريقة مناسبة حتى تتوضح الامور بشكل افضل وكسب تأييد الرأي العام.
قامت دولة الكويت بتأسيس صندوقي الاحتياطي العام والأجيال القادمة، لإيداع الفوائض المالية التي تزيد على حجم الإنفاق السنوي. وصرفت حكومة الكويت مبلغ 23 مليار دينار في السنة المالية الاخيرة، ولكن اجمالي ايرادات الدولة كان 20 مليار دينار فقط. لذلك قامت الحكومة بسحب مبلغ 3 مليارات الدينار من الاحتياطي العام لتغطي المصروفات الإضافية للحكومة. لذلك لو قسمنا اجمالي المبالغ السابقة على عدد أفراد الشعب الكويتي وهو مليون و200 الف شخص، تتضح الصورة بشكل افضل. وبحسبة بسيطة يتضح ان نصيب الفرد الواحد من الإيرادات هو 1400 دينار شهريا، لكن مصاريفه هي 1600 دينار كويتي. وفي الوقت نفسه، حصة الفرد الواحد من أصول الهيئة العامة للاستثمار يقدر بمبلغ 150 الف دينار. لذلك يقوم الفرد بسحب مبلغ 200 دينار شهريا لتغطية مصاريفه الشهرية، وأصبح لديه 147 الف دينار في السنة الماضية. لذلك من المتوقع ان تتناقص حصة الفرد من الاستثمارات بمعدل بين 5 و10 الاف دينار سنوياً حسب سعر النفط. لذلك لا تواجه الكويت خطر الافلاس حالياً. لكن يجب الا نبيع استثماراتنا طويلة الأجل لتغطية مصاريفنا الشهرية. وهذا مثل حال شخص يبيع اسهمه حتى يسدد فواتير تلفونه، وبالنهاية تروح الاسهم كلها وما يقدر يشتري البنزين ولا يصرف على نفسه. والهدف هو المحافظة على استثمارات الاحتياطي العام والأجيال القادمة لأطول فترة ممكنة. لذلك تستخدم الحكومة توصيات صندوق النقد لإطلاق إصلاحات مالية في الوقت الحالي باستخدام العجز المحقق كحجة واضحة للإقناع. لكن هناك وسائل اخرى لاقناع الراي العام بالحاجة للتوفير.
استهدفت وزارة المالية نسبة محددة للتوفير في الميزانية الحالية. وتم الضغط على جميع المؤسسات الحكومية لتقليل الصرف. وحصل هذا في الميزانية الحالية عن طريق السعي لتوفير %20 من المصاريف. وتم توفير 4 مليارات دينار تقريباً. وهو ما يعادل رواتب 200 الف موظف إضافي. وقد بدأت وزارة المالية بالنظر الى تقليل المصاريف غير الضرورية مثل تأجير سيارات فخمة للقياديين والمهمات الرسمية التي لا تفيد الدولة بشكل واضح. وكل هذه الخطوات السابقة إيجابية لكنها غير واضحة للراي العام.
ومن المناسب الاستمرار في هذه التخفيضات، لكن الهدف الأكبر هو تقليل دعم الطاقة الذي يكلف الدولة مبالغ بين 3 و5 مليارات دينار. وهذه هي الخطوة الاصعب والاهم في الإصلاحات المطلوبة. وتعادل هذه المبالغ 350 دينارا توفير شهر للفرد الواحد. وتعادل أيضاً تكلفة بناء 50 الف وحدة سكنية سنوياً. لذلك نستطيع توضيح فائدة استخدام المبالغ الناتجة عن حسن التدبير لخلق فرص عمل جديدة وتحفيز الاقتصاد عن طريق المشاريع الكبيرة وبناء البيوت والطرق والجسور. ويجب ان تنطلق مبادرة التوفير من الشعب، وتلقى تجاوبا حكوميا ونيابيا لتنفيذها. لان تقليل الدعم يجب ان يدعمه الراي العام قبل تنفيذه. ويجب ان يضغط الشعب على المسؤولين لاتخاذ خطوات واضحة لإنهاء البذخ والإسراف في مؤسسات الدولة. وان كان حجم تلك الخطوات قليل الا ان اثرها على الراي العام كبير. مشروع حسن التدبير يجب ان يقوم بتنفيذه كافة أطراف المجتمع حتى يستفيد المجتمع.
ونذكر حادثة حصلت في سنة 2008، حيث واجهت شركات انتاج السيارات الاميركية خسائر وطلبت دعما ماليا من الحكومة. وحضر المديرون التنفيذيون لأكبر ثلاث شركات في طياراتهم الخاصة لمقابلة أعضاء الكونغرس. واستنكر الشعب هذا التصرف المبذر من قبل مسؤولي الشركات ورفضوا تقديم الدعم المالي لهم. وحضر المسؤولون بسيارات كهربائية في الاجتماع الثاني بالكونغرس. الا ان تلك الخطوة كانت متأخرة وأدى ذلك الى افلاس مساهمي شركة جنرال موتورز.
واي قرارات مهمة في الدول الديموقراطية، تحتاج الى تسويق قوي وعمل مستمر وقيادة ملهمة ومقنعة لتنفيذ تلك القرارات على ارض الواقع. ونقترح وضع رسالة مناسبة ومخاطبة شريحة محددة والقيام بالاصلاحات المالية المهمة لمصلحة الشعب. ثم اختيار فريق عمل يتمتع بدعم كبير ومصداقية عالية وصلاحيات مناسبة لتحقيق الأهداف المطلوبة في المرحلة القادمة. ويجب على المؤسسات وضع مؤشرات واضحة لقياس التوفير في المؤسسات ومكافأة الموظفين او القياديين الذين يساعدون في هذا المشروع الشامل.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

عيد ناصر الشهري

شركة الأجيال القادمة للاستشارات
e7sibha@
* تقدم الشركة خدمات إعادة هيكلة للشركات المتعثرة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *