عبدالوهاب النصف

الحل لـ(برمنجهام)

قضيت إجازة العيد في لندن عاصمة الضباب الطبيعي وغير الطبيعي الذي يكمن في أن الإنكليز استخدموا الخشب كمصدر للطاقة قبل الثورة الصناعية؛ مما أدى إلى ضباب قاتم، دفع الكاتب الإنكليزي شكسبير ليقول “لا شيء كضوء الشمس”، إلا أنني على يقين لو أجلسنا شكسبير تحت نيران شمسنا في “الظهاري” لتغنى بضباب لندن كنعمة، وأنا كحال أفواج العرب الذين رأيتهم في لندن ظننت أن إجازة عيد الأضحى لن تكون طويلة؛ لذلك لن تكون لندن مكتظة كعادتها بالصيف، إلا أن ظني خاب، ولم أر سوى عرب أو عاملين من جنسيات كثيرة غير الإنكليز هجروا العاصمة بسبب ارتفاع الأسعار.
والحقيقة أن أكثر ما لفت انتباهي هو الارتفاع غير المسبوق في أسعار المقاهي المكتظة بالعرب، التي تقدم قهوة عربية ورطباً وتمراً بقيمة 100 جنيه إسترليني للفرد! والأغرب أن من ينتظرون طاولة ليحظوا بالقهوة والتمر أضعاف الجالسين، والذين هم بدورهم ينظرون يمينا وشمالا بنظرات متعالية، وطبعاً تبدو مواقف السيارات الفارهة وأصواتها المزعجة من جهة أخرى أمام هذه المقاهي التي أهنئ أصحابها على ذكائهم في دراسة الشخصيات العربية، وكيف يتم استقطابها.
في 21 يوليو الماضي أعلنت جامعة برمنغهام في بريطانيا اكتشاف أقدم مخطوطة قرآنية كتبت بالخط الحجازي، وبعد فحصها بالكربون المشع الذي تبلغ نسبة دقته 95% تبين أن المخطوطة تعود إلى قبل 1370 عاماً على الأقل، ومن المتوقع أن صاحبها عاصر الرسول عليه الصلاة والسلام، كما أن ما كتب بالمخطوطة جاء مطابقاً لما هو مكتوب في القرآن الذي لدينا اليوم.
وأهمية الاكتشاف أنه يدحض نظريات المستشرقين، وينسف عشرات الأبحاث التي كانت تتحدث عن أن القرآن كُتب بعد زمن الرسول؛ لكي يُبرر الفتوحات الإسلامية، وأعلنت الجامعة على لسان رئيسها اعتزازها بهذا الاكتشاف، الذي توقع إقبالا كبيرا من المسلمين حول العالم بزيارة الجامعة لرؤية هذا الاكتشاف لما يحمله من أهمية للمسلمين حول العالم، والجامعة نفسها تحمل أكثر من ثلاثة آلاف وثيقة من الشرق الأوسط حصلت عليها في عشرينيات القرن الماضي.
لكني أقول للجامعة ورئيسها: أخشى عليكم من صدمة أكبر من صدمة الكربون المشع الذي أثبت تاريخ هذه المخطوطة، وهي صدمة أن “محد درى عن هوى داركم”، ولتفادي هذه الصدمة أقترح الآتي: مقهى بجانب الجامعة تكون فيه الطاولات متلاصقة ومتقاربة، يُقدم الدلة والتمر وألا تقل قيمتهما عن ١٠٠ جنيه إسترليني! ويطل المقهى على مواقف للسيارات، غير هذا لا تتوقع شيئا آخر.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *