سامي النصف

بيروت وباعة العلكة الجدد!

هناك مقاربات وتشابهات (للأسف) بين لبنان 1975 ولبنان 2015 وكأن أربعة عقود طوال لم تجعل احدا يقرأ التاريخ ويتعلم من دروسه، في أبريل 75 لم تبدأ الحرب الأهلية كما يشاع بل بدأت الشرارة الأولى التي كان بالإمكان أن تطفأ سريعا وتصبح لبنان محجا للبترودولار الخليجي الكفيل بجعلها احدى اغنى دول العالم قاطبة، بعد حادثة عين الرمانة انتشرت الخروقات الامنية المتفرقة هنا وهناك فيما سمي بـ «الأحداث اللبنانية» ونسي كبار الساسة حقيقة ان النار تكبر إذا لم يتم اطفاء شررها.

***

رفض آنذاك رئيس الحكومة رشيد الصلح إنزال الجيش لفرض الأمن بحجة ان للجيش صبغة طائفية وسياسية (في الواقع قلة من جيوش العالم لا تحمل صبغة سياسية) وكان المنطق يستوجب إطفاء الحرائق اولا ثم الاختلاف على هوية الإطفائي، ولما فشل ذلك الخيار والقرار المنطقي شكّل الرئيس سليمان فرنجية في مايو 1975 حكومة عسكرية برئاسة العسكري البيروتي نور الدين الرفاعي تضم كل الطوائف، لفرض الأمن ونزع سلاح الميليشيات، إلا ان المفتي حسن خالد والرئيس رشيد كرامي والزعيم كمال جنبلاط اجتمعوا في دار المفتي ورفضوا تلك الحكومة الواجبة فاستقالت خلال يومين من تشكيلها وقال الرئيس فرنجية في كتاب قبول استقالتها: «كان المطلوب وقف الدم وقد جئتم من فئة (الجيش) لا تستمع الا لصوت الوطن والضمير»، ومع سقوط الحكومة تفشت وانتشرت الخروقات الامنية وتحولت رويدا رويدا الى حرب اهلية واسعة ذهب ضحيتها مئات آلاف الشهداء وعلى رأسهم الزعماء الثلاثة خالد وكرامي وجنبلاط.

***

ما ساعد آنذاك على احتراق لبنان وجود شباب صغار كانوا يبيعون العلكة عند التقاطعات وإشارات المرور، وقد أمكن تجنيدهم بسهولة ويسر فلم يكن لديهم ما يخسرونه عدا علبة العلكة وقد قيل حينها ان لبنان الاخضر الجميل التعددي المثقف قد احرقه.. باعة العلكة!

***

هذه الأيام هناك مندسون في التظاهرات التي يشهدها لبنان يريدون إسقاط الدولة وضرب هيبة السلطة والتعدي على قوى الجيش والأمن دون ان يتحدثوا عن كيف يمكن لهذا السقوط ان يحل مشاكل الفساد والزبالة والبطالة ونقص الكهرباء ويدفع بالتنمية ويأتي بالسياح والمستثمرين؟ واضح ان سقوط الدولة لا حل مشاكل الناس اصبح هدفا خفيا بذاته، وسيتبعه بالقطع تخندقات سياسية وطائفية رغم كل ما يقال، وستسيل الدماء كالأنهار بعد ان تم تحييد الجيش والقوى الأمنية في تكرار لما حدث عام 1975 فذاكرة شعوبنا العربية ومن ضمنها الشعب اللبناني أقصر من ذاكرة العصافير أو سمك الزينة، فمن يذكر ما حدث قبل 4 عقود؟!

***

آخر محطة: (1) تجولت قبل أيام ابان المظاهرات في ساحتي الشهداء ورياض الصلح وقد شاهدت مندسين من «الزعران» وبائعي العلكة الجدد وإن لم يحملوا علب علكة، والله يحفظ لبنان من بعض من يدعي حبه ممن تنطبق عليهم مقولة: «ومن الحب ما قتل».

(2) هناك هدف سياسي لما يجري في بيروت هو هدم اتفاقي الاستقلال والطائف وخلق نظام محاصصة جديد على انقاضهما، وهدف اقتصادي يهدف لضرب مشروع السوليدير حلم الشهيد رفيق الحريري لنهضة لبنان!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *